هي الجريان - أي جريان المطر - إذ لو كان مقصوده ذلك التفصيل لعبر هكذا:
أما ما استقر منه وسكن فهو كذا، وما لم يستقر وجرى فكذا.
وبهذا البيان تعرف عدم دلالة قوله أخيرا: " لانتفاء العلة التي هي الجريان " على ما رامه صاحب المستند أيضا، لأن ظاهر كونه تعليلا لحكم مطلق ماء المطر المنقطع تقاطره، فهو إشارة إلى أن اعتصام ماء المطر إنما كان بواسطة جريانه ونزوله من السماء، فإذا انقطع التقاطر انتفى الجريان الذي هو علة الاعتصام، فينفعل حينئذ قليله بالملاقاة.
ولا يخفى أن حاصل صاحب المستند على هذا التفصيل ليس إلا تعميمه الجاري لغير ذي المادة، فهو الأصل الذي أسسه من أن المرجع بعد تكافؤ الأدلة هو أصالة الطهارة وأصالة طهارة الماء.
وقد عرفت ما فيه، وأن الأصل في خصوص الراكد إنما هو الانفعال مطلقا، لما استظهرناه من عمومات القليل.
وأما الحكم الأول بشعبه فللصحاح الكثيرة الدالة على الاعتصام، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه منهم، بل الإجماع عليه محصل بلا تأمل، ففي صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام): " عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة، ثم يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى لا بأس " (1). ومن الواضح أن قوله (عليه السلام): " إذا جرى " يراد به إذا جرى المطر بمعنى أنه إذا كان الأخذ حال جريانه لا ما حمله عليه جمع من أن معناه إذا كثر المطر وزاد تقاطره إلى أن حصل منه جريان، فجعلوها دليلا على اشتراط مطهرية المطر بجريان مائه بمعنى كونه وابلا شديدا كثير التقاطر، فإن حمله عليه يوجب عدم ارتباط الجواب بالسؤال، لأن المطر الذي لم يجر ماؤه كيف يعقل الأخذ من مائه حتى يحترز عنه (عليه السلام) وينفي جواز استعماله بتلك الشرطية؟! سيما على القول بأن الجريان المعتبر هنا هو اتصال القطرات في وجه الأرض بعضها ببعض.