وأما الجاري، فلما لم يعهد انقسامه إلى القسمين فيحكم فيه بهذا الإطلاق بعد ضم ما ذكره (قدس سره): " أن مطلقه معصوم " وصحيحة ابن مسلم الواردة في: " الثوب الذي يصيبه البول من قوله (عليه السلام): وإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة " أيضا دالة على المدعى للإطلاق، بدعوى ظهورها في عدم الحاجة إلى تعدد الغسل مطلقا حتى في القليل منه، فحكمه مخالف لحكم القليل بصريح الخبر، فلو كان في أصله بحكم القليل الراكد لم يحسن جعلهما مناطا نحو الإطلاق، هذا.
مضافا إلى ظهورها في إيراد الثوب على الماء، والحال أن الغسل بما ينفعل يعتبر وروده على النجس، ولا يحصل به التطهير بإيراد النجس عليه. ومعارضتها مع عمومات انفعال القليل وإن كان بالعموم من وجه المحتاج تقديمها عليها إلى المرجح، إلا أنه لا ضير فيها، لوجود المرجح لها، كما عرفته وتعرفه إن شاء الله.
وربما يستدل أيضا بما ورد " أن ماء الحمام بمنزلة الجاري " فإن الظاهر منه أنه منزل منزلته من حيث الاعتصام.
وما ذكره الشيخ الأستاذ في تخريب الاستدلال من قوله: وأما صحيحة ابن سرحان " أن ماء الحمام بمنزلة الجاري " فهي أدل على خلاف المطلوب بناء على اشتراط بلوغ المادة المعتبرة في ماء الحمام ولو بضميمة ما في الحياض كرا.
ففيه: أن مقتضى التنزيل تساوي ماء الحمام للماء الجاري في الاعتصام، والمفروض أنه ثابت لهما، وأما جهة ثبوته لهما فلا ريب في عدم اقتضاء التنزيل تساويها فيها، ألا ترى أن قولك: " زيد بمنزلة الأسد " لا يقتضي إلا مشاركته له في أنه يجدل الأبطال، مع معلومية اختلافهما في الجهة، فإن الأسد يجدلهم ببرثنه، أو يكسرهم، ويمزيقهم بالقوة السبعية، وزيد الشجاع يجدلهم بسيفه وسنانه، وكمال جلادته في المعركة، وقوة قلبه بعدم ادباره عن مبارزة الأبطال.
ولو فرض في بعض المقامات اشتراكهما في الجهة أيضا فيراد من التنزيل إثبات الجهة الثابتة في المنزل عليه للمنزل لا العكس، فإني لم أتحققه، ولا يصدقه ذوقي، ولم أجد له شاهدا.