المأمور به والمنهي عنه في الواحد الشخصي الذي هو سبب البطلان فيما إذا كان متعلقا الأمر والنهي مفهومين متغايرين كما في المقام، وإنما كان اجتماعهما مورديا، وهو غير موجب للبطلان وإن توقف أحدهما على الآخر، وترتب أحدهما على الآخر ترتب المسبب على السبب أو المعلول على العلة بعد وجود المندوحة، إذ لا نقول بحرمة مقدمة الحرام مع عدم الاستلزام وإن كان علة له.
فحكم سيدنا الأستاذ - طاب ثراه - بالبطلان في خصوص المصب إذا كان الوضوء علة للتصرف فيه كما علقه على الرسالة لم أفهم وجهه، إذ علية الوضوء للتصرف في الغصب لو أوجب البطلان للزم أن يقال به في الآنية أيضا، إذ الوضوء كما أوجب التصرف في المكان بالصب فيه كذلك يتوقف على التصرف في الآنية بالأخذ منها، وليس شيء من الصب والاغتراف من الإناء وضوءا كما لا يخفى، وإنما هما أمران مفارقان له وجودا، مترتبان عليه تسبيبا أو توقفا، وليس إسناد ترتب أحدهما اليه أولى من إسناد صاحبه إليه للتوقف، بل هما في مرحلة الترتب والتوقف على حد سواء، وقد عرفت أن توقف المأمور به على الحرام موجب للبطلان إذا انحصر مقدمته فيه، واقتضاء الحرام حرمة مقدمته مقصور بصورة استلزامه لها، وهنا غير مستلزم، لعدم توقف الوضوء على خصوص التصرف المحرم بعد وجود المندوحة.
وبالجملة ما ثبت من الأدلة هو حرمة القرب والدنو إلى مال الغير بغير إذنه المكنى به عن التصرف فيه، ومن المعلوم تحقق هذا الحرام وحصول معصية نهيه بنفس الاغتراف وهو من مقدمات الوضوء لا نفسه، فعند عدم المندوحة يقبح الأمر بالوضوء، لاستلزام امتثال أمره الواجب على ارتكاب التصرف في الآنية المحرم للغصبية بخلاف صورة وجود المندوحة، وكذلك الحال في ترتب التصرف في المصب على الوضوء، فلو لم يكن هنا مندوحة واستلزم الوضوء التصرف فيه ولم يكن بد من ترتبه عليه لم يجز بقاء أمر الوضوء، لعدم انفكاك امتثاله عن الحرام ومستلزم المحرم محرم بخلاف ما لو كان هناك مندوحة والمكلف بسوء اختياره