بناء المقالة الفاطمية - السيد ابن طاووس - الصفحة ١٦٨
وبعد وفاةرسول الله - صلى الله عليه وآله - كان المشير على عمر بإنفاذ العساكر، والمقام بالمدينة، فرجع إلى رأيه (1). لما جرى الحديث في أخذ
(1) ابن أبي الحديد في شرح النهج: 9 / 96.
في شرحه لخطبة أمير المؤمنين رقم (146) عند قوله عليه السلام إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة، إلى آخره قال: واعلم أن هذا الكلام قد اختلف في الحال التي قاله فيها لعمر، فقيل: قاله له في غزاة القادسية وقيل في غزاة نهاوند وإلى هذا القول الأخير ذهب محمد بن جرير الطبري في (التاريخ الكبير) وإلى القول الأول ذهب المدائني في كتاب (الفتوح).
(إلى أن قال) فأما وقعة القادسية فكانت في سنة أربع عشرة للهجرة، استشار عمر المسلمين في أمر القادسية، فأشار عليه علي بن أبي طالب - في رواية أبي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني - ألا يخرج بنفسه، وقال: إنك إن تخرج لا يكن للعجم همة إلا استئصالك، لعلمهم إنك قطب رحا العرب، فلا يكون للإسلام بعدها دولة، وأشار عليه غيره من الناس أن يخرج بنفسه، فأخذ برأي علي عليه السلام.
(إلى أن قال) فأما وقعة نهاوند فإن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ذكر في كتاب التاريخ أن عمر لما أراد أن يغزو العجم وجيوش كسرى وهي مجتمعة بنهاوند، استشار الصحابة فقام عثمان فتشهد (إلى أن قال) فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: أما بعد فإن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، إنما هو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعزه وأمده بالملائكة، حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، وأن مكانك منهم مكان النظام من الخرز، يجمعه ويمسكه فإن انحل تفرق ما فيه وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا، فإنهم كثير عزيز بالإسلام أقم مكانك واكتب إلى أهل الكوفة، فإنهم أعلام العرب ورؤساءهم وليشخص منهم الثلثان، وليقم الثلث، واكتب إلى أهل البصرة أن يمدوهم ببعض من عندهم ولا تشخص الشام ولا اليمن، إنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم، سارت الروم إلى ذراريهم، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، ومتى شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أقطارها وأطرافها، حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات، إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا قالوا: هذا أمير العرب وأصلهم، فكان ذلك أشد لكبهم عليك. وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالصبر والنصر.
فقال عمر: أجل، هذا الرأي... إلى آخره.