وقال أبو عبيدة: إن غير في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم)، بمعنى سوى. وإن لا في (ولا الضالين) صلة، واحتج بقول العجاج هذا.
قال الفراء: وهذا جائز لأن المعنى وقع فيما لا يتبين فيه عمله، فهو جحد محض لأنه أراد في بئر ماء (1) لا يحير عليه شيئا، كأنك قلت إلى غير رشد توجه (2) وما يدري؛ قال: وغير في الآية بمعنى لا، ولذلك زدت عليها كما تقول فلان غير محسن ولا مجمل، فإذا كانت غير بمعنى سوى لم يجز أن يكر عليه، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول: عندي سوى عبد الله ولا زيد؟.
وروى ثعلب أنه سمع ابن الأعرابي يقول في قول العجاج: أراد حؤور أي رجوع، المعنى أنه وقع في بئر هلكة لا رجوع فيها وما شعر بذلك.
وقوله تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) (3)؛ قال المبرد: لا صلة، أي والسيئة؛ وقول الشاعر أنشده الفراء:
ما كان يرضى رسول الله دينهم * والأطيبان أبو بكر ولا عمر (4) قال: أراد وعمر، ولا صلة، وقد اتصلت بجحد قبلها؛ وأنشد أبو عبيدة للشماخ:
أعايش ما لأهلك لا أراهم * يضيعون الهجان مع المضيع قال: لا صلة، والمعنى أراهم يضيعون السوام، وقد غلطوه في ذلك لأنه ظن أنه أنكر عليهم فساد المال، وليس الأمر كما ظن لأن امرأته قالت له: لم تشدد على نفسك في العيش وتكرم الإبل؟ فقال لها: مالي أرى أهلك يتعهدون أموالهم ولا يضيعونها وأنت تأمريني بإضاعة المال؟.
وقال أبو عبيد: أنشد الأصمعي لساعدة الهذلي:
أفعنك لا برق كأن وميضه * غاب تسنمه ضرام مثقب (5) قال يريد أمنك (6) برق ولا صلة.
وقال الأزهري: وهذا يخالف ما قاله الفراء: إن لا لا تكون صلة إلا مع حرف نفي تقدمه.
* ومما يستدرك عليه:
قد تأتي لا جوابا للاستفهام، يقال: هل قام زيد؟ فيقال: لا.
وتكون عاطفة بعد الأمر والدعاء، نحو: أكرم زيدا لا عمرا، واللهم اغفر لزيد لا عمرو، ولا يجوز ظهور فعل ماض بعدها لئلا يلتبس بالدعاء، فلا يقال: قام زيد لا قام عمرو.
وتكون عوضا من حرف البيان والقصة ومن إحدى النونين في أن إذا خفف نحو قوله تعالى: (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم (7) قولا).
وتكون للدعاء نحو: لا سلم: ومنه (ولا تحمل علينا إصرا) (8)؛ وتجزم الفعل في الدعاء جزمه في النهي.
وتكون مهيئة نحو: لولا زيد لكان كذا، لأن لو كانت تلي الفعل فلما دخلت لا معها غيرت معناها ووليت الاسم.
وتجئ بمعنى غير، كقوله تعالى: (مالكم لا تناصرون) (9)، فإنه في موضع نصب على الحال، المعنى مالكم غير متناصرين، قاله الزجاج.
وقد تزاد فيها التاء فيقال لات، وقد مر للمصنف في التاء.