قلت: يبعد هذا الظن على المصنف وكأنه أراد التفنن في التعبير.
وفي الصحاح: وقد تكون للنهي كقولك: لا تقم ولا يقم زيد، ينهى به كل منهي من غائب وحاضر.
وتختص بالدخول على المضارع وتقتضي جزمه واستقباله نحو: قوله تعالى: (لا تتخذوا عدوي عدوكم أولياء) (1) قال صاحب المصباح: لا تكون للنهي على مقابلة الأمر لأنه يقال اضرب زيدا، فتقول: لا تضربه، ويقال اضرب زيدا وعمرا، فتقول: لا تضرب زيدا ولا عمرا بتكريرها لأنه جواب عن اثنين فكان مطابقا لما بني عليه من حكم الكلام السابق، فإن قولك اضرب زيدا وعمرا جملتان في الأصل، قال ابن السراج: لو قلت لا تضرب زيدا وعمرا لم يكن هذا نهيا عن الاثنين على الحقيقة لأنه لو ضرب أحدهما لم يكن مخالفا، لأن النهي لا يشملهما، فإذا أردت الانتهاء عنهما جميعا فنهي ذلك لا تضرب زيدا ولا عمرا فمجيئها هنا لانتظام النهي بأسره وخروجها إخلال به، انتهى.
قال صاحب المصباح: ووجه ذلك أن الأصل لا تضرب زيدا ولا تضرب عمرا لكنهم حذفوا الفعل الثاني اتساعا لدلالة المعنى عليه، لأن لا الناهية لا تدخل إلا على فعل، فالجملة الثانية مستقلة بنفسها مقصودة بالنهي كالجملة الأولى، وقد يظهر الفعل وتحذف لا لفهم المعنى أيضا نحو: لا تضرب زيدا وتشتم عمرا، ومنه: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، أي لا تفعل واحدا منهما؛ وهذا بخلاف لا تضرب زيدا وعمرا حيث كان الظاهر أن النهي لا يشملهما لجواز إرادة الجمع بينهما، وبالجملة فالفرق غامض وهو أن العامل في لا تأكل السمك وتشرب اللبن متعين وهو لا، وقد يجوز حذف العامل لقرينة، والعامل في لا تضرب زيدا وعمرا غير متعين إذ يجوز أن تكون الواو بمعنى مع فوجب إثبات لا رفعا للبس؛ وقال بعض المتأخرين: يجوز في الشعر لا تضرب زيدا وعمرا على إرادة ولا عمرا؛ قال: وتكون لنفي الفعل (2)، فإذا دخلت على المستقبل عمت جميع الأزمنة إلا إذا خص بقيد ونحوه، نحو: والله لا أقوم، وإذا دخلت على الماضي نحو: والله لا قمت، قلبت معناه إلى الاستقبال وصار معناه والله لا أقوم فإن أريد الماضي قيل والله ما قمت، وهذا كما تقلب لم معنى المستقبل إلى الماضي نحو: لم أقم، والمعنى ما قمت.
والخامس: أن تكون زائدة للتأكيد، كقوله تعالى: (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن) (3)، أي أن تتبعني وقال الفراء: العرب تقول لا صلة في كل كلام دخل في أوله جحد أو في آخره جحد غير مصرح، فالجحد السابق الذي لم يصرح به كقوله تعالى: (ما منعك أن لا تسجد) (4)، أي أن تسجد.
وقال السهيلي: أي من السجود إذ لو كانت غير زائدة لكان التقدير ما منعك من عدم السجود فيقتضي أنه سجدوا لأمر بخلافه؛ وقوله تعالى: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) (5)، أي يؤمنون.
ومثال ما دخل الجحد آخره قوله تعالى: (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل (6) الله) قال: وأما قوله، عز وجل: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) (7)؛ فلأن في الحرام معنى جحد ومنع؛ قال: وفي قوله تعالى: (وما يشعركم) مثله، فلذلك جعلت بعده صلة معناها السقوط من الكلام.
وقال الجوهري: وقد تكون لا لغوا؛ وأنشد للعجاج:
في بئر لا حور سرى وما شعر * بإفكه حتى رأى الصبح جشر (8)