زيد وبين رجل وزيد عموم وخصوص مطلق وبين كاتب وشاعر عموم وخصوص من وجه كالحيوان وكالأبيض، وإذا امتنع جاء رجل لا زيد كما قالوه فهل يمتنع ذلك في العام والخاص مثل قام الناس لا زيد، وكيف يمنع أحد مع تصريح ابن مالك وغيره بغية قام الناس وزيد، ولأي شيء يمتنع العطف بلا في نحو ما قام إلا زيد لا عمرو، وهو عطف على موجب لأن زيدا موجب وتعليلهم بأنه يلزم نفيه مرتين ضعيف لأن الإطناب قد يقتضي مثل ذلك لا سيما والنفي الأول عام والنفي الثاني خاص، فأسوأ درجاته أن يكون مثل ما قام الناس ولا زيد؛ هذا جملة ما تضمنه كتابك في ذلك، بارك الله فيك.
والجواب: أما الشرط الذي ذكره أبو حيان في العطف بلا، فقد ذكره أيضا أبو الحسن الأبدي في شرح الجزولية فقال: لا يعطف بلا إلا بشرط وهو أن يكون الكلام الذي قبلها يتضمن بمفهوم الخطاب نفي الفعل عما بعدها، فيكون الأول لا يتناول الثاني نحو قوله جاءني رجل لا امرأة، وجاءني عالم لا جاهل، ولو قلت: مررت برجل لا عاقل لم يجز لأنه ليس في مفهوم الكلام الأول ينفي الفعل عن الثاني، وهي لا تدخل إلا لتأكيد النفي فإن أردت ذلك المعنى جئت بغير فتقول: مررت برجل غير عاقل وغير زيد، ومررت بزيد لا عمرو، لأن الأول لا يتناول الثاني.
وقد تضمن كلام الأبدي هذا زيادة على ما قاله السهيلي وأبو حيان، وهي قوله: إنها لا تدخل إلا لتأكيد المنفي، وإذا ثبت أن لا لا تدخل إلا لتأكيد النفي اتضح اشتراط الشرط المذكور، لأن مفهوم الخطاب اقتضى في قولك قام رجل نفي المرأة فدخلت لا للتصريح بما اقتضاه المفهوم، وكذلك قام زيد لا عمرو، أما قام رجل لا زيد فلم يقتض المفهوم نفي زيد فلذلك لم يجز العطف بلا لأنها لا تكون لتأكيد نفي بل لتأسيسه، وهي وإن كان يؤتى بها لتأسيس النفي فكذلك في نفي يقصد تأكيده بها بخلاف غيرها من أدوات النفي كلم وما، وهو كلام حسن.
وأيضا تمثيل ابن السراج فإنه قال في كتاب الأصول: وهي تقع لإخراج الثاني مما دخل فيه الأول، وذلك قوله: ضربت زيدا لا عمرا، ومررت برجل لا امرأة، وجاءني زيد لا عمرو، فانظر أمثلته لم يذكر فيها إلا ما اقتضاه الشرط المذكور.
وأيضا تمثيل جماعة من النحاة منهم ابن الشجري في الأمالي قال: إنها تكون عاطفة فتشرك ما بعدها في إعراب ما قبلها وتنفي عن الثاني ما ثبت للأول كقولك: خرج زيد لا بكر، ولقيت أخاك لا أباك، ومررت بحميك لا أبيك، ولم يذكر أحد من النحاة في أمثلته ما كون الأول فيه يحتمل أن يندرج فيه الثاني، وخطر لي في سبب ذلك أمران: أحدهما: أن العطف يقتضي المغايرة، فهذه القاعدة تقتضي أنه لا بد في المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه، والمغايرة عند الإطلاق تقتضي المباينة لأنها المفهوم منها عند أكثر الناس وإن كان التحقيق أن بين الأعم والأخص والعام والخاص والجزء، والكل مغايرة، ولكن المغايرة عند الإطلاق إنما تنصرف إلى ما لا يصدق أحدهما على الآخر، وإذا صح ذلك امتنع العطف في قولك جاء رجل وزيد لعدم المغايرة، فإن أردت غير زيد جاز وانتقلت المسألة عن صورتها، وصار كأنك قلت: جاء رجل غير زيد لا زيد، وغير زيد لا يصدق على زيد ومسألتنا إنما هي فيما إذا كان رجل صادقا على زيد محتملا لأن يكون إياه، فإن ذلك ممتنع للقاعدة التي تقررت وجرت للمغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، ولو قلت جاء زيد ورجل كان معناه ورجل آخر لما تقرر من وجوب المغايرة، وكذلك لو قلت جاء زيد لا رجل وجب أن يقدر لا رجل آخر، والأصل في هذا أنا نريد أن نحافظ على مدلولات الألفاظ فيبقى المعطوف عليه على مدلوله من عموم أو خصوص أو إطلاق أو تقييد، والمعطوف على مدلوله كذلك، وحرف العطف على مدلوله وهو قد يقتضي تغيير نسبة الفعل إلى الأول كأو فإنها تغير نسبته من الجزم إلى الشك كما قال الخليل في الفرق بينها وبين أما، وقيل بالإضراب عن الأول، وقد لا تقتضي تغيير نسبة الفعل إلى الأول بل زيادة عليه، بل زيادة حكم آخر ولا من هذا القبيل فيجب علينا المحافظة على معناها مع بقاء