* قلت: والضابط في ذلك أن الجزاء إذا كان ماضيا لفظا وقصد به الاستقبال امتنع دخول الفاء عليه تحقق تأثير حرف الشرط في الجزاء قطعا نحو: إن أكرمتني أكرمتك؛ وكذلك إذا كان معنى وقصد به معنى الاستقبال نحو: إن أسلمت لم تدخل النار؛ وإن كان مضارعا مثبتا أو منفيا بلا جاز دخولها وتركها نحو: إن تكرمني فأكرمك تقديره فأنا أكرمك، ويجوز أن تقول إن تكرمني أكرمك إذ لم تجعله خبر مبتدأ محذوف. ومثال المنفي بلا إن جعلت لنفي الاستقبال: كإن تكرمني فلا أهينك، لعدم تأثير حرف الشرط في الجزاء، وإن جعلت لمجرد النفي جاز دخولها: كإن تكرمني لا أهنك، ويجب دخولها في غير ما ذكرنا، كأن يكون الجزاء جملة اسمية نحو: إن جئتني فأنت مكرم، وكما إذا كان الجزاء ماضيا محققا بدخول قد نحو: إن أكرمتني فقد أكرمتك أمس، ومنه قوله تعالى في قصة سيدنا يوسف (من قبل فصدقت) (1) أي فقد صدقت زليخا في قولها، أو كما إذا كان الجزاء أمرا نحو: إن أكرمك زيد فأكرمه، أو نهيا كإن يكرمك زيد فلا تهنه، أو فعلا غير متصرف نحو: إن أكرمت زيدا فعسى أن يكرمك، أو منفيا بغير لا سواء كان بلن نحو: إن أكرمت زيدا فلن يهينك، أو بما نحو: إن أكرمت زيدا فما يهينك، فإنه يجب دخول الفاء في هذه الأمثلة المذكورة، فتأمل ذلك.
وقد تحذف الفاء ضرورة نحو قول الشاعر:
* من يفعل الحسنات الله يشكرها * (2) أي فالله يشكرها أو لا يجوز مطلقا، والرواية الصحيحة:
* من يفعل الخير فالرحمان يشكره * أو الحذف لغة فصيحة، ومنه قوله تعالى: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) (3)، أي فالوصية؛ ومنه أيضا حديث اللقطة: فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها، أي فاستمتع بها.
* ومما يستدرك عليه:
الفاء في اللغة: زبد البحر؛ عن الخليل وأنشد:
لما مزبد طام يجيش بفائه * بأجود منه يوم يأتيه سائل وقد تزاد الفاء لإصلاح الكلام كقوله تعالى: (هذا فليذوقوه حميم) (4).
وتكون استئنافية، كقوله تعالى: كن فيكون، على بحث فيه.
وتأتي للتأكيد: ويكون في القسم نحو: (فبعزتك) (6)، (فو ربك) (*).
وتكون زائدة وتدخل على الماضي نحو (فقلنا اذهبا؛) (7) على المستقبل: (فيقول رب) (8)؛ وعلى الحرف: (فلم يك ينفعهم إيمانهم) (9).
وقال الجوهري. وكذلك القول إذا أجبت (10) بها بعد الأمر والنهي والاستفهام والنفي والتمني والعرض، إلا أنك تنصب ما بعد الفاء في هذه الأشياء الستة بإضمار أن تقول: زرني فأحسن إليك، لم تجعل الزيارة علة للإحسان.
وقال ابن بري: فإن رفعت أحسن فقلت فأحسن إليك، لم تجعل الزيارة علة للإحسان.
ثم قال الجوهري: ولكنك قلت ذاك من شأني أبدا أن