ومن هنا ربما قيل: إن الروايات قد نهت عن الوضوء بسؤر الحائض مطلقا، أقصى ما هناك أنه خرجت المأمونة عن هذا الإطلاق فيبقى الباقي.
وعلى كل تقدير فالتعبير بالمتهمة مع الاقتصار عليها ليس على ما ينبغي، إذ النظر في الحكم بالكراهة هنا إن كان إلى إطلاق الروايات المطلقة في غير ما خرج بالدليل، فهي مقتضية للكراهة فيما يعم المتهمة وغيرها كالمجهولة إذا لم يؤخذ المتهمة فيها عنوان الحكم بل العنوان هو الحائض، غاية الأمر أنه خرج عنها المأمونة هي التي يوثق بطهارتها - ولو ظنا - أو التي يقطع بتحفظها عن النجاسة بالخصوص، وإن كان إلى مفهوم الروايات المقيدة، فهو على تقدير يوجب الحكم فيما يعم غير المتهمة أيضا، وعلى تقدير آخر لا يوجبه في المتهمة أيضا.
وبملاحظة جميع ما ذكر آل الكلام إلى دعوى: أن الأقوى بملاحظة إطلاق الأخبار الناهية عن سؤر الحائض كراهة سؤر جميع أفرادها عدا المأمونة، وهي المحفوظة عن النجاسة في الواقع، فلا يحكم بها إلا مع العلم بالحفظ، بل ينبغي أن يستثنى من هذا الإطلاق التي علم بعدم سلامتها عن النجاسة الشخصية لثبوت المنع هنا بملاحظة أدلة اخر، وأما التي ظن بعدم سلامتها عن شخص النجاسة فاستثناؤها والعدم يدور على القول بالظن في ثبوت النجاسات وعدمه.
الأمر الثاني: قد عرفت بملاحظة ما تقدم أن المأخوذ في موضوع حكم الكراهة إنما هو الوضوء بسؤر الحائض مطلقة أو مقيدة، بل قد عرفت أنها فارقة في النهي والترخيص بين الوضوء والشرب، حتى أنه قد خرجت أكثرها مصرحة بالشرب مع النهي عن الوضوء المحمول على إرادة الكراهة، ومن هنا استشكل بعضهم في حكم الشرب، لكن المعروف من مذهبهم عدم الفرق بينهما، بل عن المحقق البهبهاني: " أن الاقتصار على الوضوء لم نقل به فقيه " (1) ولعله من جهة التسامح، وعليه يحمل النهي الوارد في الأخبار بالقياس إلى الوضوء على شدة الكراهة لا على اختصاصها به، ولا يخلو عن إشكال.