منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفأرة والوزغة تقع في البئر؟ قال: " ينزح منها ثلاث دلاء " (1) وجه الاستدلال - على ما وجهه العلامة في المختلف -: أنه لولا نجاسة الوزغة لما وجب لها النزح بالموت، فإن الموت إنما يقتضي التنجيس في محل له نفس سائلة لا مطلقا " (2).
وكأن ذكر الموت مع خلو الرواية عنه لظهور " الوقوع " عرفا فيه، أو لقرينة ذكر الفأرة في موضوع هذا الحكم الذي لا توجبه إلا بالموت، لأنها لا تنجس إلا بالموت لما فيها من النفس السائلة، فما لم يفرض موتها لم يعقل لها نجاسة لكونها طاهرة العين، فإذا كان الحكم معلقا على موتها كان بالقياس إلى الوزغة أيضا مفروضا حال الموت، ولا يمكن أن يكون ذلك لنجاستها الحاصلة بالموت، إذ ليس لها نفس سائلة، فيجب أن يكون لنجاستها العينية الثابتة لها في جميع الأحوال، وقضية ذلك نجاسة سؤرها أيضا، لكونه ماء قليلا أو مضافا لاقية النجاسة.
وملخصه بالتقريب الذي ذكرناه: أن وجوب النزح لا يكون إلا لنجاسة ما يقع في البئر، والنجاسة في الحيوان إما ذاتية كما في الكلب، أو عرضية تحصل بالموت كما في الفأرة، وحيث إن الوزغة لا يفرض لها نجاسة عرضية حاصلة بالموت لعدم كونها من ذوات الأنفس فلابد وأن يكون نجاستها ذاتية كالكلب، فحينئذ لا يتفاوت الحال في انفعال القليل أو المضاف بملاقاتها بين حياتها وموتها.
وجوابه: حينئذ منع بطلان التالي أولا، فإن النزح في جميع موارد ثبوته مبني على الاستحباب كما سبق تحقيقه، فالوزغة حينئذ ليس نجسة، والنزح لموتها أيضا ليس بواجب، فتأمل جيدا.
ومنع الملازمة ثانيا: إذ ليس ثبوت وجوب النزح مع انتفاء النجاسة في سببه بعادم النظير فيما بين المنزوحات، ألا ترى أن النزح لاغتسال الجنب - على القول بوجوبه - واجب ولو مع خلو بدنه عن النجاسة، ولو سلم فالرواية لا تقاوم لمعارضة ما سيأتي من الأخبار الخاصة القاضية بالطهارة.