- فعلى ما حكي - من أنه في باب تطهير الثياب قال: " فما مس الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة بسائر أبدانها إذا كانت رطبة، أو أدخلت أيديها وأرجلها في الماء وجب غسل الموضع وإراقة ذلك الماء، ولا يراعى في غسل ذلك العدد، لأن العدد يختض بالولوغ، وإن كان يابسا يرش الموضع بالماء، فإن لم يتعين الموضع غسل الثوب كله أو رش، وكذلك إن مس هذه (1) شيئا من ذلك وكان واحد منهما رطبا وجب غسل يده، وإن كان يابسا مسحه بالتراب، وقد رويت رخصة في استعمال ما يشرب منه سائر الحيوانات في البراري سوا الكلب والخنزير، وما شربت منه الفأرة في البيوت والوزغ أو وقعا فيه وخرجا حيين، لأنه لا يمكن التحرز من ذلك " (2) انتهى.
ولا يذهب عليك أن ملاحظة هذه العبارة صدرا وذيلا تقضي باختياره التفصيل بين المقامين، أي مقام ملاقاة ما يجب غسله في النجاسة من الثوب والجسد، ومقام شرب الماء أو الوقوع فيه ثم الخروج حيا، ففي الأول يجب الاجتناب بالغسل والرش، وفي الثاني لا يجب الاجتناب رخصة لعدم إمكان التحرز، غير أنه بملاحظة هذا التعليل ليس بظاهر في القول بطهارة الماء حينئذ، بل غايته الرخصة في استعماله من باب العفو الغير المنافي للنجاسة، نظير ما قيل في ماء الاستنجاء.
وبذلك ارتفع المنافاة بين عبارته المذكورة في هذا الموضع وعبارته في بحث السؤر (3)، حيث إنه بعد ما حكم بعدم جواز استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الإنسي استثنى منه الفأرة ونحوها مما يشق التحرز عنه.
وبذلك يحصل الجمع أيضا بين عبارتيه في النهاية حسبما تقدم ذكرهما في سؤر الفأرة، فما في كلام غير واحد (4) من استبعاد كون الاختلاف بين كلاميه في الكتابين مبنيا على الفرق بين المقامين ليس في محله، وكأنه نشأ عن عدم الاطلاع على ذيل العبارة المذكورة، أو عدم إعمال النظر في فهمها صدرا وذيلا على ما ينبغي.
وعلى أي حال كان، فالمنقول من حجة هذا القول وجوه من الروايات.