وكيف كان فقضية الإجمال الناشئ عن تساوي الاحتمالين سقوط الاستدلال بتلك الأخبار أيضا على حكم المسألة، بل المستند في الحقيقة في عموم المسألة مما اخذ عنوانا في الأخبار وما لم يؤخذ هو الأصل، فإن فتوى الفقهاء بطهارة الحيوان بمجرد زوال العين مع ملاحظة ما تقدم من المعنيين في شرح هذه العبارة ومصير بعضهم إلى ثانيهما يوجب الشك في عروض صفة النجاسة - وهو الأثر الحاصل من عين النجس الجسم الحيوان، الملازم لزوال طهارته الأصلية الموجودة فيه قبل وجود العين عليه - وعدمه، ومن البين أن الأصل عدم عروض ذلك الأثر، كما أن الأصل بقاء الطهارة الأصلية، ولا ينافيه عدم ترتب آثار الطهارة على الجسم ما دامت العين موجودة عليه، لجواز استناد ذلك إلى وجود المانع - حسبما فصلناه - لا إلى فقد المقتضي، ولا ريب أن مجرد الاحتمال كاف في جريان الأصل وصحة الاستناد إليه.
لا يقال: هذا الأصل قد انقطع بعموم قاعدة تنجيس النجاسات العينية لما يلاقيها من الأجسام وغيرها، المستفادة من عمومات النجاسات، ضرورة أن القاعدة إذا استفيدت من الدليل دليل بالقياس إلى مورد الأصل رافع لموضوعه، فلا أصل حينئذ، بل الأصل بعد زوال عين النجاسة عن جسم الحيوان يقتضي الحكم عليه بالنجاسة إلى أن يعلم المزيل، ومعه كيف يحكم بالطهارة لمجرد زوال العين.
لأنا نمنع ثبوت هذه القاعدة على جهة العموم حتى بالقياس إلى جسم الحيوان غير الإنسان، فإنها ليست لفظا عاما، ولا ثابتة بلفظ عام شامل لمثل المقام، بل هي أمر معنوي مستفاد عن الإجماع والأخبار الجزئية الواردة في أبواب النجاسات الآمرة بغسل ما يلاقيها من أنواع المتنجسات.
ولا ريب أن ملاحظة كلام الفقهاء - حسبما تقدم - مع ما علم من سيرة قاطبة المسلمين من عدم التزامهم بغسل الحيوانات عند ملاقاتها للنجاسات، بل ملاحظة ما يرد من الحكم بالسفه على من التزم ذلك، يوجب الشك في انعقاد هذه القاعدة على جهة العموم، بل التتبع في النصوص وآثار الأئمة (عليهم السلام) في تفاصيل أحكام النجاسات يعطي عدم انعقاد القاعدة إلا في الإنسان، وما يتعلق به من الأواني والثياب، حيث لا يوجد فيها ما يأمر بغسل الحيوانات أيضا مع عموم البلوى بأكثرها، كالآمرة منها بغسل الإنسان وأوانيه وثيابه.