والتفصيل، وحمل البأس الثابت بالمفهوم هنا على الكراهة، مع أنه أعم من الحرمة كما اعترف به جماعة، جمعا بينها وبين الأخبار النافية للبأس التي يأتي إليها الإشارة، نظرا إلى أن نفي البأس يراد به الرخصة الغير المنافية للكراهة.
وقد يستدل أيضا بالمرسلة المتقدمة [عن أبى عبد الله (عليه السلام) " إنه] كان يكره سؤر كلما لا يؤكل لحمه " (1) بناء على حمل " ما لا يؤكل لحمه " على إرادة الأعم مما لا يعتاد أكله وما لم يخلق لأجل الأكل.
واستدل أيضا بخبر ابن مسكان عن الصادق (عليه السلام) سألته: عن الوضوء بما ولغ فيه الكلب والسنور، أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك، أيتوضأ منه أو يغتسل؟ قال:
" نعم، إلا أن تجد غيره فتنزه [عنه] " (2).
ولا قائل هنا بالفصل بين الوضوء وغيره، ولعله مبني على أن خروج بعض مدلول الخبر عنه لدليل لا يقدح في العمل عليه للبعض الآخر من مدلوله، وإلا فلا إشكال في المنع عن سؤر الكلب، كما لا كلام في عدم كراهة سؤر السنور كما تقدم.
لكن قد يعارض الجميع بصحيحة أبي العباس البقباق المتقدمة (3) النافية للبأس عن سؤر البقر والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع، ورواية معاوية بن شريح (4) المرخصة بكلمة الإيجاب في سؤر السنور والشاة والبقرة والبعير والفرس والبغل والسباع.
لكن الإنصاف عدم ظهور شئ من ذلك في المعارضة لما تقدم، لورود نفي البأس والإيجاب فيهما في مقابل سؤر الكلب، فيراد بهما مجرد نفي المنع، وهو لا ينافي الكراهة.
نعم، إنما يحسن المعارضة بصحيحة جميل بن دراج قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن سؤر الدواب والغنم والبقر، أيتوضأ منه ويشرب؟ فقال: " لا بأس " (5).
وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: " لا بأس بأن تتوضأ مما يشرب