وثالثها: الطهارة بالغيبة مع الاحتمال لا غير.
وتمكن أخذ الطهارة بالغيبة المطلقة أيضا قولا في المسألة وإن لم يكن نقله أحد، ويمكن اعتبار الغيبة توصلا إلى إبداء الاحتمال المحرز لموضوع الاستصحاب في الماء لا للتوصل إلى طهارة الحيوان كما هو ظاهر عبارة النهاية.
ثم إن لقولهم بالطهارة لمجرد الزوال معنيين:
أحدهما: كون زوال العين موجبا لارتفاع أثرها الحاصل في جسم الحيوان الغير الآدمي، بناء على أنه كجسم الآدمي تقبل النجاسة، وهي الأثر الحاصل فيه بعروض العين له، فعليه يكون الزوال من جملة المطهرات.
وثانيهما: كونه موجبا لبروز الطهارة الأصلية التي كانت للحيوان قبل عروض العين له، بناء على أنه ليس كجسم الآدمي في قبول النجاسة، بل هو قبل عروض العين وحاله باق على وصف الطهارة، غاية الأمر أن العين ما دامت موجودة مانعة عن ترتيب أحكام الطهارة على المحل، فإذا زالت بقيت الطهارة الموجودة في المحل حال وجودها بلا مانع عن ترتيب أحكامها عليه.
فالعين على أول المعنيين رافعة لطهارة المحل، وعلى ثانيهما مانعة عن ترتب أحكامها عليه، وهذا هو الذي مال إليه بعض مشايخنا (1)، بل في كلامه ما يقضي برجوع قولهم: " أن الحيوانات تطهر بزوال العين " إلى هذا المعنى.
ومحصل هذا المعنى: " أنه لا يحكم بتنجيس هذه النجاسات، لأبدان الحيوانات، بل تكون من قبيل البواطن، فلا تنفعل بملاقاة النجاسات، بل إن كانت عين النجاسة موجودة كان الحكم مستند إليها، وإلا فلا ".
إلى أن قال: " ولعله إلى ما ذكرنا أشار السيد مهدي في منظومته:
واجعل زوال العين في الحيوان * طهرا كذا بواطن الإنسان " (2) فعلم من جميع ما ذكر: أن في كون أجسام سائر الحيوانات كسائر المتنجسات في افتقارها إلى مطهر خارجي ومزيل شرعي وعدمه خلافا.