الانصباب قد حدث بيقين والشك في المنصب، ولا يعقل تعيينه بالأصل، ولا يمكن أيضا استصحاب وجوب الاجتناب كما توهم، إذ لو اريد به الوجوب الأصلي المعلق على النجس الواقعي فبقاء موضوعه غير محرز، ولو اريد الوجوب المقدمي فهو - مع أنه تابع لوجوب ذي المقدمة ووجوده - حكم قد ثبت من العقل الذي هو موجود مع الفرض، فينبغي المراجعة إليه نفسه لا استصحاب حكمه، ولا نجده بعد المراجعة إلا ساكتا، كيف وحكمه كان مبنيا على عدم اقتناعه باحتمال الامتثال في موضع تيقن الاشتغال، وهو في الفرض غير متيقن.
فما يقال هنا: من أنه يجب الامتناع عن الآخر الباقي لبقاء حكم العقل الثابت قبل الانصباب، ولا معنى لارتفاعه بتعذر الامتناع عن المنصب، شئ لا نعقله، فحينئذ لو اشتبه طاهر آخر بذلك المشتبه الباقي لا يوجب اندراجهما في عنوان الشبهة، فما في منتهى العلامة من أنه " لو كان أحدهما متيقن الطهارة والآخر مشكوك النجاسة، كما لو انقلب أحد المشتبهين ثم اشتبه الباقي بمتيقن الطهارة، [وكذا لو اشتبه الباقي بمتيقن النجاسة] وجب الاجتناب " (1) ليس بسديد.
نعم، قوله: " وكذا لو اشتبه الباقي بمتيقن النجاسة وجب الاجتناب " سديد.
هذا كله إذا كان النظر إلى إثبات الحكم من جهة القاعدة، وأما بناء على الاقتصار على النص فيمكن استفادة الإلحاق منه في مورده بناء على عدم التعدي عنه إلى غيره، نظرا إلى أنه لو كان انصباب أحدهما وسيلة إلى رفع التكليف بالاجتناب المسوغ لاستعمال الباقي في طهارة وغيرها لكان على المعصوم (عليه السلام) الإرشاد إليه بالأمر باهراق أحد الإنائين دون الجميع، فالأحوط إذن الاجتناب عن الباقي وطاهر مشتبه به أيضا، ولا يترك هذا الاحتياط البتة.
وثالثها: إذا تمكن المكلف عن ماء آخر غير المشتبهين لصلاته حدثا أو خبثا تعين بلا إشكال ولا خلاف، ولا يسوغ معه العدول عن المائية إلى التيمم، وإذا لم يتمكن عن ماء آخر فإن لم يمكن له الصلاة بالطهارة المتيقنة عن الحدث فالظاهر أنه لا إشكال أيضا عندهم في تعين العدول إلى التيمم، وإن أمكن له الصلاة بالطهارة المتيقنة كما لو