ولا ريب أن العنوان الأول غير متحقق مع الفرض، لوضوح عدم غلبة لوصف النجاسة في فرض الجزئية على وصف الماء، وأما ثاني العنوانين فهو وإن كان في نظر العقل مما لا مانع من إجرائه في مفروض الكلام غير أن العرف يأبى عنه؛ ضرورة أن التغيير الوارد في الأخبار بأي صيغة كانت لو عرضناه على العرف كان ظاهرا في تمام السببية، بحيث لا يكاد الذهن ينصرف إلى صورة الجزئية، ولو كان ذلك باعتبار تركيب الكلام المتضمن لهذا اللفظ، فلاحظ وتأمل كي يتضح لك حقيقة الحال.
وقضية ذلك اختصاص الحكم بالنجاسة بما لو كان النجاسة أو وصفها علة تامة لتغير وصف الماء، فيلحق المفروض بالأصل الأولي المقتضي للطهارة، مضافا إلى اصول اخر جارية في المقام هذا، ولكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه خصوصا في مشروط بالمائية.
وثانيها: إذا تغير الماء بالنجاسة لا عن وصف النجاسة - على معنى تغيره في وصف مغاير لوصف النجاسة جنسا أو نوعا، كتغير لونه بذي الطعم أو الرائحة، أو طعمه بذي اللون أو الرائحة، أو رائحته بذي الطعم أو اللون - فهل يقتضي ذلك نجاسة الماء كما يقتضيها لو حصل في الوصف الموافق أو لا؟
والأول أولى، عملا بإطلاق الإجماعات وفتاوي الأصحاب، وإطلاق جملة كثيرة من روايات الباب، وخصوص المرسلة الواردة في مختلف العلامة المتضمنة لقوله (عليه السلام):
" إذا غلب رائحته على طعم الماء أو لونه فأرقه " (1)، وصحيحة هشام بن عبد ربه المشتملة على قوله: " فما التغير؟ قال: الصفرة " (2)، نظرا إلى أن ظاهر السياق بقرينة ما سبق كون السؤال عن الجيفة التي تكون وصفها الغالب هو الريح.
مضافا إلى أن المعلوم من طريقة الشارع كون مناط الحكم هو التغير المستند إلى النجاسة بأي نحو اتفق، ولا ينافي شيئا من ذلك ما في رواية العلاء بن الفضيل من قوله:
" لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول " (3)؛ لعدم ابتناء روايات الباب على الضبط