ومنها: ما في مختلف العلامة مرسلا في جملة احتجاجات ابن أبي عقيل أيضا، سئل عن الماء النقيع والغدير وأشباههما فيه الجيف والقذر وولوغ الكلب، ويشرب منه الدواب وتبول فيه أيتوضأ منه؟ فقال لسائله: " إن كان ما فيه من النجاسة غالبا على الماء فلا تتوضأ منه، وإن كان الماء غالبا على النجاسة فتوضأ منه، واغتسل " (1).
ويتضح طريق الاستدلال بالأخبار المذكورة بعد حمل مطلقاتها على مقيداتها، وحمل ما ذكر فيه من الأوصاف واحدا أو اثنين على إرادة المثال، أو على أنه الوصف الغالب مما يحصل فيه التغير فلا تنافي بينها أصلا، فالمسألة بحمد الله سبحانه في غاية الوضوح.
نعم، يبقى في المقام أمران ينبغي التنبيه عليهما:
أحدهما: ما أشار إليه المحقق الخوانساري - في شرح الدروس - من: " أنه يشكل أن يستنبط من تلك الروايات أن تغير الطعم وحده موجب للنجاسة؛ لأن في بعض نسخ التهذيب في صحيحة أبي خالد المتقدمة " قد تغير ريحه أو طعمه، " وفي النسخة المعتمدة " وطعمه " ويؤيدها آخر الحديث، والتعويل أيضا على الإجماع " (2)، وهو كما ترى أضعف شئ يذكر في المقام.
أما أولا: فلعدم انحصار روايات الباب في الصحيحة المذكورة، لما عرفت من أن فيها ما اشتمل على كلمة " أو " بلا اختلاف في النسخ.
وأما ثانيا: فلأن " الواو " كثيرا ما ترد مورد " أو " فلتحمل عليها كي يرتفع الإشكال.
فإن قيل: العكس أيضا ممكن.
لقلنا: بأن العكس يأباه اختلاف الروايات في التضمن على الصفات المذكورة وحدانية وثنائية وثلاثية، فإن كثيرا منها ما تضمن واحدا منها، وكل ذلك شاهد عدل بأن كلا من الصفات مستقل بانفراده في السببية، فيكون ذلك قرينة على ما ذكرناه من التجوز دون العكس.
وثانيهما: أنه قد يوجد في الروايات ما يعارض روايات الباب في الدلالة على كون التغير بالنجاسة مقتضيا لنجاسة الماء، كما في الكافي مرسلا عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)