وللآخرين أيضا وجوه:
منها: ما عن الإيضاح من أن هذا القول أحوط فيجب المصير إليه (1).
وفيه أولا: أن الاحتياط لا يجدي نفعا في إثبات ما هو الغرض الأصلي في المسألة من معرفة حكم الله الواقعي.
وثانيا: منع وجوب الاحتياط، لسلامة الاصول وعمومات الطهارة عن المعارض؛ إذ المفروض أن أدلة التنجس بالتغير لا تشمل هذا الفرد، كما يظهر الاعتراف به من أصحاب هذا القول، فلذا لا يتمسكون له إلا بوجوه لا ترجع إلى دلالة تلك الأدلة، فلا معارض لعمومات الطهارة، والمفروض أنه لا إجمال فيها فيندرج فيها المقام، ويبقى الاصول مؤيدة لها.
نعم، إنما يتجه الاحتياط وجوبا لو كانت النجاسة الواقعة في الماء باعتبار الكثرة بحيث أوجبت الشك في استهلاك الماء أو خروجه عن الإطلاق، من جهة أن ذلك شك في الاندراج في عمومات الطهارة، غير أن صور المسألة لا تنحصر في ذلك، ومن هنا قد يجاب عنه بمنع كونه أحوط في جميع الفروض بل هو كذلك غالبا، وأنت خبير بأن دعوى الغلبة أيضا ليست في محلها.
ومنها: ما عن العلامة: " بأن التغير الذي هو مناط النجاسة دائر مع الأوصاف، فإذا فقدت وجب تقديرها " (2).
وفيه: تسليم المقدمة الاولى ومنع الثانية، لكونها إعادة للمدعى فلا تصلح دليلا.
وقد يوجه: بأن غرضه دعوى استناد النجاسة إلى عين النجاسة وذاتها، فإنها المؤثرة في تنجس العين دون الوصف، فلهذا لا يحكم به في صورة تغير الأوصاف بالمجاورة، فالأوصاف الثابتة في النجاسة مما لا مدخل لها في التأثير، غير أن الشارع تعالى أناط الحكم بتغير الوصف من جهة أنه كاشف وجودا و عدما عن تحقق المؤثر الواقعي، فإذا علم عند فقد الوصف بتحقق المقدار الذي يكفي في حصول الأثر على تقدير وجود الوصف كما هو قضية القول بالتقدير علم بتحقق المؤثر التام، ومعه لا مناص من الحكم