النهي وبدونه بقي المطلب موقوفا، فالاستدلال بالأخبار إن كان ولابد منه فلابد وأن يقرر بطريق آخر سنشير إليه.
وثانيها: ما اعتمد عليه العلامة في المنتهى (1) من " أن النجاسة حكم شرعي، فيتوقف زواله على حكم آخر " وهذا أيضا لا يخلو عن نوع ضعف؛ إذ كل من المقدمتين مسلمة لا إشكال فيها غير أن الحكم بزوال النجاسة يكفي فيه زوال علة الحدوث، ومع قيام شبهة العلية في التغير المقطوع زواله لا يمكن العلم بعدم زوال العلة، فالعمدة في المقام نفي العلية عن التغير لا الاقتصار على ما لا يجدي شيئا من ثبوت المطلوب ودفع كلام الخصم.
وثالثها: ما اعتمد عليه في الكتاب المذكور أيضا من أن " النجاسة تثبت بوارد، فلا تزول إلا بوارد، بخلاف نجاسة الخمر، فإنها تثبت بغير وارد فتطهر بغير وارد " (2)، وهذا أضعف من سابقه.
ورابعها: ما اعتمد عليه غير واحد من فحول أصحابنا منهم العلامة في الكتاب المذكور (3) من أنه كان نجسا قبل الزوال فيستصحب الحكم بعده أيضا، وهذا هو الذي لا محيص عنه في المقام، ومحصله يرجع إلى التمسك بالاستصحاب وإن اختلفوا في المعنى المراد به هنا، حيث إن ظاهر الأكثرين وصريح بعضهم أن المراد به معناه المعهود الذي يعد عندهم من أدلة الأحكام الظاهرية واختلف في حجيته، خلافا لصريح بعضهم في عده هنا من العمل بعموم الدليل وإطلاقه كما نقله صاحب الحدائق عن بعض من استدل بالوجه المذكور، حيث أنه بعد ما فرغ عن تقرير الاستدلال قال: " وليس الاستصحاب هنا من قبيل الاستصحاب المتنازع فيه، بل مرجعه إلى العمل بعموم الدليل " (4).
والظاهر أن الاستصحاب بهذا المعنى هو الذي يعبر عنه في العمل بالأدلة اللفظية بأصالة العموم، أو الإطلاق، وأصالة عدم التخصيص، أو عدم التقييد، ومن المصرح به في كلامهم أن الاستصحاب عندهم يطلق على هذا المعنى.
قال في مقدمات الحدائق: " واعلم أنهم صرحوا بأن الاستصحاب يقع على أقسام أربعة:
أحدها: نفي الحكم الشرعي وبراءة الذمة منه إلى أن يظهر دليله وهو المعبر عنه بالبراءة الأصلية.