فالامتناع مسلم؛ ولكن اعتباره عند أهل القول بالممانعة ممنوع؛ وإن اريد بها انتشار أجزاء أحد المائين في أجزاء الماء الآخر على وجه يوجب تعذر امتياز البعض عن بعض على قياس ما هو الحال في سائر المركبات المزجية فامتناعها ممنوع؛ كيف وجواز ذلك من ضروريات العقل خصوصا في الماء الذي هو سريع النفوذ.
ومنها: أن الأجزاء الملاقية للطاهر يجب الحكم بطهارتها عملا بعموم ما دل على طهورية الماء، فتطهر الأجزاء التي يليها كذلك وكذا الكلام في بقية الأجزاء، وفي المدارك: " وهذا اعتبار حسن نبه عليه المحقق الشيخ على في بعض فوائده، وجدي في روض الجنان " (1).
وفيه: ما لا يخفى من المصادرة المحضة، لتوجه المنع إلى طهر الأجزاء الملاقية بمجرد الاتصال، لجواز كونه مشروطا بالممازجة والانتشار ولا نافي له؛ بناء على أن عموم المطهرية قاصر عن إفادة كيفية التطهير كما تقدم إليها الإشارة، فالاستصحاب سليم عن المعارض.
ومنها: أن الامتزاج إن اريد به امتزاج كل جزء من الماء النجس لجزء من الماء الطاهر لم يمكن الحكم بالطهارة أصلا لعدم العلم بذلك، وإن اكتفى بامتزاج البعض لم يكن الطهر للبعض الآخر هو الامتزاج بل مجرد الاتصال، فيلزم إما القول بعدم طهارته أصلا، أو القول بالاكتفاء بمجرد الاتصال.
وفيه: أن المراد بالامتزاج انتشار يتعذر معه الامتياز وهو معلوم الحصول ضرورة.
وقد يقرر هذا الوجه بما فيه بسط وتطويل، فيقال: " لو اعتبر الممازجة فإما أن يراد امتزاج الكل بالكل، أو البعض بالبعض.
أما الأول ففيه أولا: أنه غير ممكن.
وثانيا: أنه غير ممكن الاطلاع عليه، فالأصل بقاء النجاسة.
وثالثا: أن جماعة من معتبري الامتزاج كالعلامة والشهيد وغير هم حكموا بطهارة حياض الصغار المتصلة باستيلاء الماء من المادة عليها، وبغمس كوز الماء النجس في الكثير ولو بعد مضي زمان، وطهارة القليل بماء المطر، بل ادعى السيوري (2) والشهيد الثاني (3)