قولين في ذلك الفرع، ولكن يرجح احتمال النجاسة تعليلا بكون استصحاب نجاسة الماء من استصحاب طهارة الملاقي مزيلا له فيقدم عليه على ما هو مقرر في محله، ويجعل السر في الإجماع المدعى على العمل باستصحاب النجاسة هو ذلك، هذا.
وتحقيق الكلام: في جميع الفروع المذكورة مبني على النظر في تأسيس أصل كلي يجري في غالب أبواب الطهارات وغيرها، وهو أن الطهارة في الماء حيثما علق عليها الأحكام، هل العبرة فيها بالعلم بها أو لا؟ وعلى الثاني فهل يعتبر فيها أمارة من الأمارات الشرعية التعبدية أو لا؟ ثم النجاسة على فرض عدم اعتبار علم ولا أمارة في نقيضها يلزمها أن يعتبر فيها العلم أو الأمارة؟ فهل يتعين فيها العلم خاصة، ولا يحكم بها بدونه ولو مع قيام الأمارة عليها؟ أو يكفي في ثبوتها الأمارة أيضا، و أنها تقوم مقام العلم؟ وعليه فهل يتعين في ذلك أمارة دون اخرى؟ أو يجري فيها عامة الأمارات الجارية في غير المقام، ثم إذا كفت الأمارة في ثبوت نجاسة شئ فهل تفيد تلك النجاسة تنجيسا لملاقيه أو لا؟
غير أنه ينبغي أن يعلم أن هذا البحث إنما يثمر ويجري في معرفة حكم الجزئيات، المعلوم حكم كلياتها بأصل الشرع من طهارة أو نجاسة، الصالحة لاندراجها تحت كل من الكليين المعلوم حكمهما الكلي الإلهي، التي قد يعبر عنها بالموضوعات الصرفة، وإلا فكل من الطهارة والنجاسة من حيث إنه حكم كلي إلهي يتبع في ثبوته لموضوعاته الكلية - التي قد يعبر عنها بالموضوعات المستنبطة - لدليله، من حيث إنه توقيفي فلابد فيه من دليل علمي أو ظني حيث يعتبر.
فالكلام في اعتبار العلم فيه من هذه الجهة، أو كفاية مطلق الظن، أو اعتبار الأمارة مطلقة، أو غيرها، هو الكلام في حجية الظن ودليلية الطرق المعهودة، وهذا كما ترى شئ لا يتعلق به غرض الفقيه أصلا وإنما هو بحث له محل آخر، بل الذي يتعلق به الغرض هنا إنما هو استعلام كون الطهارة والنجاسة المعلومتين للموضوعات المستنبطة منوطتين في موضوعاتها الخارجية بالعلم خاصة، أو تكفي فيهما الظن مطلقا، أو أن الطهارة منوطة بعدم العلم بالنجاسة بخلاف النجاسة، فإنها منوطة بالعلم بها، على معنى العلم بتحقق سببها الموجب لها، أو ما هو قائم مقامه على فرض ثبوته، ثم إنه لا فرق في هذا البحث بين المياه وغيرها مما اعتبر فيها الطهارة، من المآكل والمشارب والثياب