أما في الخبر الأول: فلأن سياق السؤال الوارد فيه بقوله: " ما تقول في ماء الحمام؟ " ظاهر في السؤال عن حكم الدفع وقبوله الانفعال وعدمه، كما لا يخفى على المنصف، فيصرف إليه الجواب.
وأما في الخبر الثاني: فلما قررناه في توجيهه في بحث الجاري من أن المراد بقوله:
" يطهر بعضه بعضا " يعصم بعضه بعضا عن الانفعال ويوجب اعتصامه، بقرينة ما تقدم من عدم كون شئ مما ذكر في سؤاله من النجاسات ما يوجب تغير الماء عادة، فلاحظ وتأمل.
وأما في الخبر الثالث: فلأن قوله (عليه السلام): " إذا كانت له مادة " قيد احترازي أتى به المعصوم لدفع ما لعله يتوهمه المخاطب من عدم الاحتياج إلى المادة في الحكم الذي أعطاه عليه السلام، والذي هو محل لأن يطرأه هذا التوهم إنما هو مقام الدفع دون مقام الرفع، لأن كل عاقل متشرع يعلم أن النجاسة بعد ما طرأت الماء لا ترتفع من قبل نفسها، بل تحتاج إلى رافع شرعي ومطهر خارجي، ومحصله يرجع إلى دوران الشرط بين كونه قيدا احترازيا أو توضيحيا، ومن المقرر أن الأصل - بمعنى الظاهر - هو الأول، وقضية ذلك كون الخبر واردا لبيان الدفع دون الرفع.
المسألة الثانية: في تطهير ماء الحمام بمجرد اتصاله بالمادة أو اشتراطه بالامتزاج وغلبة المادة عليه، قولان من الاقتصار فيما خالف الأصل - وهو استصحاب النجاسة أو أصالة عدم الطهارة - على المتفق عليه، وأن الصادق (عليه السلام) حكم بأنه بمنزلة الجاري، ولو تنجس الجاري لم يطهر إلا باستيلاء الماء عليه، بحيث يزيل انفعاله، ومن امتياز الطاهر من النجس مع عدم الامتزاج، وذلك يقتضي اختصاص كل بحكمه.
ومن أن اتصال القليل بالكثير قبل النجاسة كاف في دفع النجاسة وإن لم يمتزج به فكذا بعدها، لأن عدم قبول النجاسة في الأول إنما هو بصيرورة المائين ماء واحدا بالاتصال.
وأن الامتزاج إن اريد به امتزاج كل جزء من الماء النجس بجزء من الطاهر لم يمكن الحكم بالطهارة أصلا، لعدم العلم بذلك، وإن اكتفى بامتزاج البعض لم يكن المطهر للبعض الآخر هو الامتزاج بل مجرد الاتصال، فيلزم إما القول بعدم الطهارة أصلا، أو القول بالاكتفاء بمجرد الاتصال.
و أنه عن المنتهى: " أن الاتفاق واقع على أن تطهير ما نقص عن الكر بإلقاء كر عليه،