بملاحظة سيرة المتشرعة، مع تعسر الغسل ترتيبا بل تعذره، لولا جوازه والاجتزاء به، وأما الصورتان الباقيتان فكونهما من محل النزاع موضع شبهة، والظاهر أن الأخيرة منهما مفروضة في مسألة اللمعة.
وعلى المختار فهل يجوز استعماله فيهما أو لا؟ والظاهر أن الجواز في مسألة اللمعة مما لا إشكال فيه، وبه روايات مخصوصة، تأتي في باب الغسل إن شاء الله، دالة على جواز مسح اللمعة بالبلة الباقية في الأعضاء، وادعى عليه ظهور الإجماع في شرح الدروس (1).
وإنما الإشكال في الصورة الاخرى، ويظهر الفائدة بالنسبة إليها فيما لو قصر الماء المعد للغسل عن تمام الغسل، بأن لا يكون كافيا إلا عن غسل بعض الأعضاء، فهل يجوز الاكتفاء به في تمام الغسل، بأن يغسل به العضو المذكور ويؤخذ بعد انفصاله عنه في إناء، ثم يغسل به العضو الآخر إلى أن يستكمل الغسل به، أو لا؟
والحق أن الجواز هنا مشكل، من أن بعض القواعد المتقدمة في الاستدلال على الجواز في أصل المسألة - كقاعدة: إن الماهية المائية مقتضية للطهارة والطهورية معا ما لم يزاحمها خارج - يقتضي الجواز، من حيث إن الماهية غير زالة عن المفروض جدا، والعارض مما لم يعلم كونه مزاحما رافعا لما اقتضته الماهية.
ومن أنه مما لا ذاهب إليه من الأصحاب، بل ظاهرهم في غير هذا الموضع عدم الاكتفاء به، حيث إنه في مسألة ما لو وجد المحدث من الماء ما لا يكفيه لطهارته حكموا بوجوب التيمم عليه، مصرحين بعدم الفرق فيه بين الجنب والمحدث بالأصغر، وعزاه في المنتهى (2) إلى مذهب علمائنا، مؤذنا بالإجماع عليه، فلم يذكروا فيه إلا احتمال الوضوء مع التيمم إذا كان جنبا، أو استعماله في بعض الأعضاء ثم التيمم للباقي، ناسبين لهما إلى العامة، ولهم في هذا المقام روايات مصرحة بالتيمم دون الوضوء في الجنب خاصة، من غير تعرض لبيان ما ذكرناه في مفروض المسألة، فلو أنه أمر مقرر في الشريعة ثابت من الشارع لما كان للعدول عن الأمر به إلى الأمر بالتيمم في الأخبار وجه، كما لا يخفى.