ونظائرها، من أن أقصى ما يستفاد من ذلك كون " الماء " مطهرا، وأما أنه من الحدث أو الخبث فلا، لاشتراك الطهارة لفظا بين رفع الحدث وإزالة الخبث، كما صرح به العلامة في المنتهى (١)، ولو سلم الاشتراك المعنوي بينهما فهو لا يجدي نفعا في رفع الإشكال، لكون المشترك المعنوي إذا وقع خبرا أو ما هو بحكمه مجملا، كما في قولك: " زيد إنسان " فإن أقصى ما يدل عليه ذلك إنما هو كون زيد فردا من الإنسان، وأما أنه أسود أو أبيض أو أنه عالم أو جاهل فلا دلالة له على شئ من ذلك، مع كون الإنسان مشتركا بين الكل معنى، والمقام أيضا من هذا الباب، فإن قوله: ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ (٢) إنما يدل على أن الماء من أفراد الطهور، وهو وإن كان مشتركا بين رفع الحدث وإزالة الخبث، معنى على الفرض، ولكن توصيف الماء به لا يدل على أنه موصوف بأحدهما معينا أو بكليهما، فيكون مجملا، فإن " طهور " على ما سبق في أوائل الكتاب - إنما هو بمعنى المطهر المستلزم للطهارة، المأخوذ عنها بالمعنى اللغوي الذي فصله الشرع بالخلوص عن الحدث والخبث، فالمطهر على ما فصله الشرع هو الرافع للحدث المزيل للخبث فلا اشتراك فيه لفظا كما لا إجمال على الاشتراك معنى.
وسادسها: ما قدمنا الإشارة إليه في بحث ماء الوضوء، من القاعدة المستفادة عن مجموع الأدلة الجزئية الواردة في أبواب الطهارات وتطهير النجاسات، الحاكمة بأن الماء إذا جامع وصفي الإطلاق والطهارة فهو مطهر عن الحدث ومزيل للخبث والمفروض منه، فيجب كونه كذلك، ودعوى: أن الطهورية قد حصلت منه بالفرض فلا يصلح لها ثانيا، تقييد في موضوع القاعدة فلا يصار إليه إلا بدليل، وأي دليل عليه في المقام.
وسابعها: قوله تعالى: ﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾ (3) الآية، فإنه يدل على المنع من التيمم مع وجود الماء، فالماء المفروض مع وجوده يوجب أن لا يصدق هنا قضية عدم وجدان الماء فلم يجز التيمم، ومعه وجب استعماله للإجماع على عدم سقوط الطهارة حينئذ.
والأولى أن يقرر: بأن الآية بمفهومها دلت على عدم وجوب التيمم مع وجدان الماء، وإذا انضم إليه الإجماع المذكور مع الإجماع على أن التيمم حيثما لم يجب لم يجز، ثبت وجوب استعمال الماء المفروض.