الواردة فيه، وأما المناقشة فيها إذا كان النظر فيها إلى الإجماعات، فيدفعها: أنها إنما تتجه لو اريد استفادة الحكم من الإجماع المحصل الذي يحصل من ملاحظة فتاوي الأصحاب، بعبارة " أن الماء القليل ينفعل بملاقاة النجاسة "، فإنه مع ملاحظة اختلافهم في نجاسة ماء الغسالة ونجاسته مما لا يعقل حصوله على إطلاق هذا العنوان، حتى بالنسبة إلى ما يستعمل في إزالة النجاسة، فحينئذ لو اريد الاستناد إلى معقد هذا الإجماع على إثبات نجاسة ماء الغسالة، لكان مرجعه إلى الاستناد إلى فتوى من يرى ماء الغسالة نجسا، وهو كما ترى ليس من الاستناد إلى الإجماع في شئ.
وأما لو اريد استفادته من الإجماعات المنقولة المتضمنة للعبارة المذكورة فلا، فإن الحجة حينئذ على القول بحجية الإجماع المنقول - لكونه بمنزلة السنة - إنما هي تلك العبارة من حيث إنها معقد للإجماع، لا من حيث إنها صادرة من ناقل الإجماع، كما أن الاستناد إلى الخبر - لو فرض وروده هنا بتلك العبارة - إنما هو استناد إلى العبارة من حيث إنها كلام الحجة الثابت بنقل الواحد، لا من حيث إنها صادرة من الراوي، فإنها من هذه الحيثية ليست إلا حكاية، والحجة ليست هي الحكاية بل المحكي بتلك الحكاية.
فالعبارة المذكورة من حيث إنها صادرة من ناقل الإجماع عليها مثلها من حيث إنها صادرة من راوي السنة، فكما أن العبرة هنا بالمروي من حيث إنه كلام الحجة، فكذلك العبرة في نقل الإجماع بالمنقول من حيث معقد للإجماع، بل من حيث إنه كلام الحجة أيضا، والمفروض أنه عبارة عامة تشمل بعمومها لنفسها محل البحث أيضا.
ولا ينافيه كون الناقل بنقله لا يريد منه العموم نظرا إلى اعتقاده بطهارة ماء الغسالة، إذ لا عبرة بإرادة الناقل كما أن في الروايات لا عبرة بإرادة الراوي، بل العبرة بإرادة الحجة، فيفرض العبارة المذكورة كالمسموعة بنفسها عن الحجة، ولم يثبت أنه أراد منها ما ينافي العموم، فيؤخذ بما هو مفاد أصل العبارة ويلغى ما عداه.
ولكن يشكل ذلك: بأن فهم الراوي في نقل الأخبار حيثما علم به متبع، فلو أن هذه العبارة صدرت من الحجة وفهم الراوي منها الخصوص كان متبعا، كما أنه كذلك لو علم أنه فهم منها العموم، وكذلك ناقل الإجماع، فإن إرادته الخصوص إنما هو من جهة فهمه إياه من العبارة المجمع عليها.