طهارة المحل - على ما سنقرر وجهه.
والوجه الآخر من وجوه المقام النجاسة مطلقا، في مقابلة الطهارة مطلقا والعفو، وهذا مما لم يذهب إليه أحد.
نعم، هاهنا وجه رابع، وهو كونه طاهرا ما دام في المحل فإذا انفصل نجس، وهو محكي في الحدائق وغيره عن صريح العلامة في القواعد، قال في الحدائق: " والظاهر أنه مبني على ما اختاره من عدم نجاسة القليل الذي تزال به النجاسة إلا بعد الانفصال عن المحل، قال في الكتاب المذكور: " والمتخلف في الثوب بعد عصره طاهر، فإن انفصل فهو نجس " (1) انتهى.
فعنده أنه إذا عصر الثوب من الغسل المعتبر في تطهيره حكم بطهارته قطعا، والمتخلف عنه على حكم الطهارة، فلو بالغ أحد في عصره فانفصل منه شئ كان نجسا؛ لأن أثر ملاقاته للمحل النجس عنده إنما يظهر بعد الانفصال ". (2) انتهى.
والذي يترجح في النظر القاصر، أنها تتبع المحل فتكون طاهرة مطلقا، وذلك لإجماع المسلمين المعلوم من عملهم في كافة الأعصار والأمصار، حيث إنهم يغسلون أبدانهم وأثوابهم وأوانيهم، ويجرون عليها بعد ذلك وعلى ما فيها من البلل الباقية جميع أحكام الطهارة ولا يتأملون فيها، فيباشرون بها حال البلة وحال عدمها في مآكلهم ومشاربهم وتطهيراتهم من الأخباث والأحداث، فإذا غسلوا شيئا من الأبدان يدخلونه في المآكل والمشارب ومياه الوضوء والغسل، أو شيئا من الثياب لا يتحرزون عن ملاقاته لشئ من ذلك، أو شيئا من الأواني يجعلون عليه المأكل والمشرب والوضوء والغسول بلا تأمل في شئ من ذلك، فلولا المحل مع ما فيه من البلل طاهرين لما ساغ لهم شئ من ذلك، لإجماعهم الضروري على اشتراط الطهارة في جميع ما ذكر، وأخبارهم متواترة عليه معنى.
فنقول: بملاحظة ذلك مع ما ذكر من الإجماع الأول أن ما ليس بطاهر لا يجوز استعماله في المأكل والمشرب والوضوء والغسول، فينعكس ذلك بطريقة عكس النقيض إلى أن: كل ما جاز استعماله في الامور المذكورة فهو طاهر، والعفو المدعى في