هذا مضافا إلى أنه لو بنى في توجيه الرواية على كونها لبيان المانعية أشكل إثبات نجاسة ماء الغسالة، بل أشكل الاستدلال بها على انفعال القليل على الإطلاق؛ لأن أقصى ما يستفاد منها حينئذ أن الكرية حيثما وجدت كانت مستلزمة لعدم الانفعال؛ لأن المانع ما يلزم من وجوده العدم، وأما أن عدمها يستلزم الانفعال فلا؛ إذ المانع ما لا يلزم من عدمه الوجود، فالجمع بين هذا التوجيه والاستدلال بها في كلا المقامين عجيب.
وبما قررنا في توجيه الاستدلال، وما أثبتناه من نجاسة ماء الغسالة، ظهر وجه المنع الوارد في رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به من الجنابة، لا يتوضأ منه " (1) فإن هذا المنع الجامع للنوعين معا إما من جهة وجود المانع في كليهما وهو النجاسة، أو من جهة فقد المقتضي عن كليهما وهو انسلاخ الطهورية عنهما بالاستعمال، أو من جهة وجود المانع في الأول وفقد المقتضي في الثاني، أو بالعكس.
والأول مع الأخير منفيان كل بالإجماع على طهارة ما يستعمل في الغسل، وبقي المتوسطان محتملين معا، غير أن الأول منهما أيضا منفي بما دل على نجاسة ماء الغسالة، فإنه بمنزلة البيان لتلك الرواية فتعين ثانيهما.
ومن هنا يعلم أنه لا يمكن الاستدلال بتلك الرواية على النجاسة بجعلها دليلا مستقلا عليها، فالاستدلال بها - كما حكي (2) عن المعتبر (3)، والمنتهى (4)، ضعيف جدا، ونظيره في الضعف ما قيل: من أنها تشعر بطهارة ماء الغسالة، حيث جمع فيها بينه وبين المستعمل في الغسل الذي هو طاهر إجماعا، فإن اتحاد شيئين في الحكم لا يقضي باتحاد الجهة وعلة ذلك الحكم، كما لا يخفى.
ثم يبقى في المقام شئ وهو أن في الشرح المشار إليه للاستاذ (5) نسبته الاستدلال بها إلى العلامة في المنتهى ولعله اشتباه؛ لأن العلامة في المنتهى لم يورد هذه الرواية في تلك المسألة، ولا أنه تمسك بها على مطلوبه، وإنما أورده بعد الفراغ عن تلك المسألة