تعرض الأدلة المذكورة لرفع موضوع الأصل بالنسبة إليه، على قياس ما ذكرته في صحة التمسك بالعمومات الأولية.
قلت: هذه الأخبار لو صلحت عندهم كاشفة عن هذا المعنى، لكانت بأنفسها رافعة لموضوع الأصل أيضا؛ إذ لا فرق في ارتفاع موضوع الأصل بين ورود الدليل على خلافه ووروده على طبقه؛ لأنه كائنا ما كان في مقابلة الأصل علم، ومن البين عدم اجتماع العلم مع الشك في قضية شخصية.
ومن هنا فالتمسك به مما لا وجه له على كل حال، إن كان المراد جعله دليلا للحكم على الإطلاق كما هو ظاهر الجماعة.
ومما ذكرنا يتجه أن يقال: بصحة التمسك بأخبار الاستنجاء لإثبات حكم الطهورية أيضا، كما أشار إلى التمسك بها في المناهل (1)، وقد تقدم منا الإشارة إلى وجهه عند التمسك بها على إثبات حكم الطهارة له في الجهة الاولى.
وتوضيح ذلك: أن إثبات هذا الحكم لماء الاستنجاء بالأخبار الواردة فيه ليس من جهة وروده فيها بلفظ " الطهارة " على نحو الصراحة، بل من جهة ما تضمنته من نفي البأس، بتقريب: أن النكرة المنفية لكونها مفيدة للعموم، فنفي البأس عن هذا الماء في موضع توهم النجاسة ظاهر في نفي جميع لوازم النجاسة التي منها المنع عن استعماله في مقام إزالة الخبث، أو في مقام رفع الحدث، أو في مقام الشرب ونحوه من سائر أنحاء الانتفاعات.
ضرورة أنه كما أن المنع عن مباشرته حال الصلاة وغيرها بأس، فكذلك المنع عن شربه والتطهير به بأس، وكما أن النفي يتوجه إلى الأول فكذلك يتوجه إلى الباقي؛ لكون أفراد العام متساوية الأقدام بالنسبة إليه، ودعوى: عدم كون ما ذكر من أفراد البأس ومصاديقه، تحكم فلا تسمع، كما أن منع العموم في النفي الوارد على النكرة مطلقا، أو في خصوص المقام غير مسموعة، ومن هنا يتضح الحكم في المسألة الثالثة أيضا.
نعم، يشكل الحال بالقياس إلى مسألة التطهير من جهة اخرى، وهي أن أقصى ما يستفاد من نفي البأس بالقياس إليه إنما هو نفي الحكم التكليفي، وهو المنع عن