والحاسم لمادة الإشكال إنما هو العموم من الجهة المذكورة أيضا لا مجردة من جهة الأفراد ولا يلزم من كون الشرط علة منحصرة للجزاء إلا ثبوت العموم من جهة الأفراد ويبقى إثبات العموم الآخر محتاجا إلى دليل آخر، ولذا تراه - مد ظله - عدل في ثالث الأجوبة عن ذلك إلى ما قررناه سابقا.
وثاني ما أفاده مد ظله في الجواب، قوله: " لو سلمنا عدم دلالة المفهوم بمقتضى نفس التركيب على العموم، لكن القرينة هنا عليه موجودة؛ لأن المراد " بالشئ " في المنطوق ليس كل شئ من أشياء العالم، بل المراد ما من شأنه تنجيس ملاقيه من النجاسات المقتضية للتنجيس فإذا فرض كل فرد منها مقتضيا للتنجيس، وكانت الكرية مانعة، لزم عند انتفاء الكرية المانعة ثبوت الحكم المنفي لكل فرد من " الشئ " باقتضائه السليم من منع المانع، وأول المثالين من هذا القبيل، فإن المنفي مع ثبوت الخوف من الله هو الخوف من كل من يوجد فيه مقتضى الخوف منه، فمع عدم الخوف من الله يثبت الخوف من كل واحد من هذه المخوفات باقتضاء نفسه، ومن هذا القبيل قولك: " إذا توكلت على الله فلا يضرك ضار " (1) انتهى.
وظني أن ذلك منه مد ظله وقع في غير محله، فإن قوله: " فإذا فرض كل فرد منها مقتضيا للتنجيس الخ " هذا هو محل الكلام؛ إذ الخصم لا يسلم أن كل فرد من النجاسات مقتض لتنجيس الماء، فلابد في تتميم الدليل من تحقيق هذا الفرض وإثبات عنوان الشأنية لكل نجس، فلو اريد إثباته بالخارج كان خروجا عن الاستدلال بالرواية كما لا يخفى، ولو اريد إثباته بنفس الرواية اتجه إليه المنع المتقدم في تقرير الاعتراض، ولو أرسل ذلك بعدم إقامة دليل على إثباته كان إبقاء لشبهة المعترض على حالها، من أن ما يثبت في جانب المفهوم ليس إلا قضية مهملة هي في قوة الجزئية، وأن رفع السلب الكلي أعم من الإيجاب الكلي.
هذا مضافا إلى أن بناءه مد ظله في توجيه الرواية - على ما حققه في غير هذا الموضع - على كونها مسوقة لبيان مانعية الكر عن الانفعال، وعليه فرع أصالة الانفعال التي بنى عليها الأمر في كل ماء مشكوك حاله من حيث الانفعال وعدمه، وقد مر منعه بغير مرة.