لا يمكن حمل التعليق على إفادة السببية التامة، - على ما هو مناط القول بحجية مفهوم الشرط عند أهل التحقيق - فإما أن يحمل بعد ذلك على إفادة العلقة الشرطية فيما بين المقدم والتالي، فتكون أحد شروط عدم الانفعال، أو على إفادة مطلق الملازمة فيما بينهما من غير علقة سبب ولا شرط، فتكون ملزومة لانتفاء شرط الانفعال كاشفة عنه، ولا سبيل إلى الأول؛ لأن ما يتوقف عليه الشئ لا ينفك عنه ذلك الشئ، وإلا لم يكن شرطا، وقد رأينا إنفكاكه في المستثنيات، إلا أن يقال: بأنه شرط على سبيل البدلية، ولكنه خلاف ما يظهر من التعبير من الرواية، فلابد من حمله على الثاني، فيكون القلة على ذلك شرطا للانفعال، ولا ينافيه التخلف في المستثنيات؛ لأن الشرط ما لا يلزم من وجوده الوجود لكثرة مقابلته لوجود موانع أو فقد شروط، والمفروض أن ما أثبته الأدلة سببا للانفعال بشرط القلة له موانع قد أثبتها الأدلة المخصصة لأدلة الانفعال، كالجريان عن نبع، وعلو الملاقي ونحوه مما سبق الإشارة إليه.
فإذا ثبت أن الملاقاة سبب وشرطها القلة وله موانع، فهو متحقق في المقام بهذا الشرط مع فقد الموانع المذكورة، فيجب تأثيرها؛ ضرورة أن الأثر لا يتخلف عن مقتضيه الموجود المصادف لفقد الموانع، ولو كان ذلك بحسب ظاهر اللفظ عن إطلاق أو عموم، ودعوى: كون حيثية رفع الخبث، أو الاستعمال من جهته في غير جهة الاستنجاء من جملة الموانع تقتضي تقييد الملاقاة في حكم الشرع عليها بالسببية بلا دليل؛ إذ المفروض كون الأدلة المقامة على تلك الدعوى على ما يأتي ذكرها مدخولة بأسرها.
ومن المشايخ العظام (1) من أجاب عن المناقشة المذكورة بوجوه، ثالثها ما يرجع في حاصل المعنى إلى ما حققناه.
وأولها: ما يرجع محصلة إلى ما هو التحقيق في دليل حجية مفهوم الشرط، من إفادة التعليق على الشرط في متفاهم العرف كونه سببا تاما للجزاء على جهة الانحصار، ومعه لا يعقل إنكار العموم في مفهوم الرواية، إلا على القول بإنكار حجية مفهوم الشرط.
وبيان ذلك: أن الشرط إذا فرضناه سببا تاما للجزاء على جهة الانحصار، فمعناه: أن الجزاء لابد من وجوده في جميع موارد وجود الشرط، وانتفائه في جميع موارد انتفائه،