فرجع إلى عيسى (ع) فأخبره بما جرى فذهب به عيسى (ع) إلى خربة فيها أحجار ومدر كبار فدعا الله تعالى فصيرها كلها من جنس ما طلب الملك وأحسن منها فقال يا غلام خذ منها ما تريد واذهب به إلى الملك فلما اتى الملك بها تحير الملك وأهل مجلسه في امره وقالوا لا يكفينا هذا فرجع إلى عيسى (ع) فأخبره فقال اذهب إلى الخربة وخذ منها ما تريد واذهب بها إليهم فلما رجع بأضعاف ما اتى به أولا زادت حيرتهم وقال الملك ان لهذا شأنا غريبا فخلا بالغلام واستخبره عن الحال فأخبره بكل ما جرى بينه وبين عيسى وما كان من عشقه لابنته فعلم الملك ان الضيف هو عيسى (ع) فقال قل لضيفك يأتيني ويزوجك ابنتي، فحضر عيسى (ع) وزوجها منه وبعث الملك ثيابا فاخرة إلى الغلام فألبسها إياه وجمع بينه وبين ابنته تلك الليلة فلما أصبح طلب الغلام وكلمه فوجده عاقلا فهما فلم يكن للملك ولد غير هذه الابنة فجعله الملك ولي عهده ووارث ملكه وامر خواصه وأعيان مملكته ببيعته وطاعته، فلما كانت الليلة الثانية مات الملك فأجلسوا الغلام على سرير الملك وأطاعوه وسلموا إليه خزائنه فأتاه عيسى (ع) في اليوم الثالث ليودعه فقال الغلام أيها الحكيم ان لك علي حقوقا لا أقوم بشكر واحد منها ولكن عرض في قلبي البارحة امر لو لم تجبني عنه لم انتفع بشئ مما حصلتها لي. فقال وما هو؟ قال الغلام انك قدرت على أن تنقلني من تلك الحالة الخسيسة إلى تلك الدرجة الرفيعة في يومين فلم لا تفعل هذا بنفسك وأراك في تلك الحالة؟ فلما أحفى في السؤال قال له عيسى ان العالم بالله وبدار ثوابه وكرامته والبصير بفناء الدنيا وخستها لا يرغب إلى هذا الملك الزائل وان لنا في قربه تعالى ومعرفته ومحبته لذات روحانية لا تعد تلك اللذات الفانية عندها شيئا فلما أخبر بعيوب الدنيا وآفاتها ونعيم الآخرة ودرجاتها. قال الغلام فلي عليك حجة أخرى لم اخترت لنفسك ما هو أولى وأحرى وأوقعتني في هذه البلية الكبرى فقال عيسى (ع) انما اخترت لك ذلك لأمتحنك في عقلك وذكائك وليكون لك الثواب في ترك هذه الأمور الميسرة لك أكثر وأوفى وتكون حجة على غيرك. فترك الغلام الملك ولبس أثوابه البالية وتبع عيسى عليه السلام
(٤٦٨)