ومن جملة من انتحلها مشايخ الصوفية وهم عنها بمراحل وروي في (الآثار) ان عمرو بن الفارض من أئمة الصوفية ادعاها في أقواله واشعاره ومن جملتها قوله:
وبما شئت في هواك اختبرني * فاختياري ما كان فيه رضاكا ثم بعده ابتلي بحصر البول.
وكان يندب ويصيح ويقبض على ذكره ويذهب إلى مكتب الصبيان ويصيح أيها الأولاد ادعوا لعمكم الكذاب.
بقي الكلام في الجمع بين قوله إلا صبرت عليه ولم اسأل الله كشفه عني، وبين ما ورد في الآيات والأخبار من الأمر بالتضرع والدعاء في كشف البلاء وما يورد على الانسان من المصائب والأوجاع والاسقام.
قلت: ومن درج إلى هذه الدرجة ونال هذه السعادة وخرج من مرارة التصبر على البلاء إلى حلاوة التلذذ به، وكان مخيرا بين الدعاء في كشف ما يسمى محنة وبلاء، وبين الاستلذاذ به وتحمله والصبر عليه، ولا نقول هو من باب الصبر، بل هو من باب الشكر.
وذلك أن أولياء الله سبحانه كما ينالون حظا من العافية، ينالون حلاوة من الأسقام والمصائب، لعلمهم بأن مبدء الامرين من الحبيب الحقيقي والعشيق التحقيقي، فهؤلاء من حيث التلذذ به لا يحبون كشفه ولا يطلبون زواله.
وقول أمير المؤمنين عليه السلام عند الضربة. فزت ورب الكعبة، شاهد عليه.
وكذلك قوله عليه السلام لما قال له ابن عمه وأخوه رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف صبرك إذا ضربت على قرنك واختضب شيبك بدمك وأنت في محراب صلاتك ساجدا لربك؟ فقال عليه السلام: ذلك مقام الشكر لا مقام الصبر.
وقال عليه السلام في وقعة أحد لما فر المسلمون وبقى وحده يضرب بسيفه يمينا وشمالا: يا رسول الله وعدتني الشهادة وهذا اليوم كان ميقاتها، فما الذي حرمني