دعاه الغضب إلى أن يشغل بالانتقام منهم، إلا أنه مال إلى الصفح عنهم، طلبا لمرضات الله تعالى، فكانت هذه الواقعة هي الفتنة، لأنها جارية مجرى الابتلاء والامتحان، ثم انه (استغفر ربه) مما هم به من الانتقام منهم، وتاب عن ذلك الهم (فغفرنا له ذلك) القدر من الهم والعزم.
والثاني - انه وإن غلب على ظنه انهم دخلوا عليه ليقتلوه، إلا أنه قدم على ذلك الظن، وقال لما لم تقم دلالة ولا إمارة على أن الامر كذلك، فبئس ما عملت بهم حتى ظننت بهم هذا.
فكان هذا المراد من قوله: (وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه وأناب منه * فغفر الله له ذلك).
الثالث - ان دخولهم عليه كان فتنة لداود عليه السلام إلا أنه استغفر لذلك الداخل العازم على قتله.
وقوله: (فغفرنا له ذلك) أي لاحترام داود عليه السلام وتعظيمه، انتهى.
وقال البيضاوي: وأقصى ما في هذه الاشعار بأنه عليه السلام وإن كان له ما لغيره وكان له أمثاله، فنبهه الله بهذه القضية، فاستغفر وأناب عنه، انتهى.
واعلم أنه لما ثبت عصمة الأنبياء عليهم بالبراهين والأدلة القاطعة، وجب تأويل ما يكون ظاهره منافيا له.
وهذه الوجوه وإن كان يحصل بها الخلاص من القدح في شأن داود عليه السلام إلا أن المعول على ما في الأخبار الخالية من التقية.
الفصل الثاني فيما أوحى إليه وما صدر عنه من الحكم (أمالي الصدوق) رحمه الله باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: أوحى الله سبحانه إلى داود عليه السلام: يا داود كما لا تضر الطيرة من لا يتطير منها،