قال: فعرجا، فقال الملك المستعدى عليه: لو علم داود انه أحق بهشم فيه مني، ففهم داود الأمر وذكر الخطيئة.
فبقى أربعين يوما ساجدا يبكي ليله ونهاره ولا يقوم إلا وقت الصلاة، حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه.
فلما كان بعد أربعين يوما نودي: يا داود ما لك أجائع أنت فنشبعك؟ أو ظمآن فنسقيك؟ أم عريان فنكسوك؟ أم خائف فنؤمنك؟ فقال: أي رب وكيف لا أخاف وقد علمت وأنت الحكم العدل لا يجوزك ظلم ظالم؟ فأوحى الله عز وجل إليه: تبت يا داود؟ فقال: أي رب وأنى لي بالتوبة؟ قال: سر إلى قبر أوريا حتى ابعثه إليك وأسأله ان يغفر لك، فان غفر لك غفرت لك، قال: يا رب فان لم يفعل؟
قال: أستوهبك منه.
فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور حتى انتهى إلى جبل وعليه نبي عابد يقال له حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع تسبح علم أنه داود فقال: هذا النبي الخاطئ فقال داود: يا حزقيل تأذن لي أن أصعد إليك؟ قال: لا فإنك مذنب.
فأوحى الله تعالى إلى حزقيل: يا حزقيل لا تعير داود بخطيئته واسألني العافية فنزل حزقيل وأخذ داود وأصعده إليه، فقال داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال لا قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عز وجل؟ قال:
لا قال: فهل ركنت إلى الدنيا وأحببت ان تأخذ من شهواتها ولذاتها؟ قال: بلى ربما عرض ذلك بقلبي، قال: فما تصنع؟ قال ادخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه.
فدخل داود عليه السلام الشعب فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام نخرة وإذا لوح من حديد فيه مكتوب، فقرأه داود فإذا فيه: انا أورى بن سلم، ملكت الف مدينة وبنيت الف مدينة وافتضضت الف جارية فكان آخر أمري ان صار التراب فراشي والحجارة وسادي والحيات والديدان جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا.