فلما رأى الملك ذلك عظم إبراهيم عنده وأكرمه واتقاه، وقال له انطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة وهو أن تأذن لي ان أقدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما. فاذن له إبراهيم فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيل. فسار إبراهيم بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم اعظاما له وهيبة، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم ان قف ولا تمش قدام الجبار ولكن اجعله امامك وعظمه فإنه مسلط ولابد من آمر في الأرض بر أو فاجر. فوقف إبراهيم (ع) وقال للملك امض فان إلهي أوحى إلى الساعة: ان أعظمك وأهابك وان أقدمك أمامي وامشي خلفك.
فقال له الملك: اشهد ان إلهك لرقيق حليم كريم وأنت ترغبني في دينك فودعه الملك.
وسار إبراهيم حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوطا عليه السلام في أدنى الشامات. ثم إن إبراهيم (ع) لما أبطأ عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتيني هاجر لعل الله يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا؟ فابتاع إبراهيم هاجر من سارة عليها السلام فوقع عليها فولدت إسماعيل (ع).
أقول: بقي في هذا المقام أمور لا بد من التنبيه عليها:
الامر الأول: اختلف علماء الاسلام في أب إبراهيم عليه السلام قال الرازي في تفسير قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) ظاهر هذه الآية تدل على أن اسم والد إبراهيم (ع) هو آزر. ومنهم من قال: اسمه تارخ. قال الزجاج: الاختلاف بين النسابين ان اسمه تارخ ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن وذكر له وجوها:
منها - ان والد إبراهيم عليه السلام كان تارخ وآزر كان عما له. والعم قد يطلق عليه لفظ الأب كما حكى الله عن أولاد يعقوب انهم قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق). ومعلوم ان إسماعيل كان عما ليعقوب وقد أطلقوا عليه لفظ الأب فكذا هاهنا.
ثم قال: قالت الشيعة: ان أحدا من آباء رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان كافرا. وذكروا. ان آزر كان عمه. واحتجوا على قولهم بوجوه الحجة الأولى ان آباء نبينا ما كانوا كفارا لوجوه: