منزلها وسدت باب الغار بالحجارة، فأجرى الله لإبراهيم لبنا من ابهامه، وكانت تأتيه أمه، ووكل نمرود بكل امرأة حامل، فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت أم إبراهيم بإبراهيم من الذبح، وكان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر، حتى اتى له في الغار ثلاث عشر سنة، فلما كان بعد ذلك زارته أمه، فلما أرادت ان تفارقه تشبث بها، فقال يا أمي أخرجيني، فقالت يا بني ان الملك ان علم انك ولدت في هذا الزمان قتلك. فلما خرجت أمه من الغار وقد غابت الشمس، نظر إلى الزهرة في السماء فقال هذا ربى فلما غابت الزهرة فقال لو كان ربى، ما زال ولا برح، ثم قال لا أحب الآفلين، - والآفل الغائب - فلما نظر إلى المشرق وقد طلع القمر، قال هذا ربى هذا أكبر وأحسن، فلما تحرك وزال قال: (لئن لم يهدني ربى لأكونن من القوم الضالين) فلما أصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها في الدنيا، قال هذا أكبر وأحسن، فلما تحركت وزالت، كشف الله عن السماوات حتى رأى العرش وأراه الله ملكوت السماوات والأرض. فعند ذلك (قال يا قوم إني بريء مما تشركون. انى وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما انا من المشركين) فجاء إلى أمه وأدخلته دارها وجعلته بين أولادها.
فنظر إليه آزر فقال من هذا الذي بقى في سلطان الملك والملك يقتل أولاد الناس؟ قالت هذا ابنك ولدته وقت كذا وكذا حين اعتزلت. فقال ويحك ان علم الملك هذا نزلت منزلتنا عنده. وكان آزر صاحب امر نمرود ووزيره وكان يتخذ الأصنام له وللناس، ويدفعها إلى ولده فيبيعونها، فقالت أم إبراهيم لا عليك ان لم يشعر الملك به بقى لنا، وان شعر به كفيتك الاحتجاج عنه. وكان آزر كلما نظر إلى إبراهيم أحبه حبا شديدا، وكان يدفع إليه الأصنام ليبيعها كما يبيع اخوته فكان يعلق في أعناقها الخيوط ويجرها على الأرض، ويقول من يشتري ما لا يضره ولا ينفعه، ويغرقها في الماء والحمام ويقول لها تكلمي، فذكر اخوته ذلك لأبيه فنهاه، فلم ينته، فحبسه ولم يدعه يخرج، (فحاجه قومه فقال إبراهيم أتحاجوني في الله وقد هدان...).