يقول المثل (1): من أين أنت؟ فيقول: من حيث امرأتي.
ثم رجع إلى الأفشين ووصف له ما رأى، فوجه الأفشين أبا سعيد وبوزباره إلى ابن سنباط وكتب معهما إليه [وأمرهما ألا يخالفا ابن سنباط فيما يشير به -] (2) ففعلا ذلك. فكتب ابن سنباط إليهما بالمقام في موضع ذكره لهما، وأنفذ إليهما بالميرة الكثيرة (3). ثم إنه قال لبابك: أنت مغموم في هذا الحصن، وههنا واد طيب، فلو خرجنا إليه ومعنا باز وباشق نتفرج إلى وقت الغداء في الصيد؟ فقال بابك: إذا شئت فافعل ذلك. قال: وكتب ابن سنباط إلى أبي سعيد وبوزباره يعلمهما بذلك وبما قد عزم عليه، ويأمرهما أن يوافياه واحد من ذا الجانب والاخر من الجانب الاخر بعسكريهما، وركبا بالغداة وواعدهما إلى موضع كذا وكذا، فأنزلا وأخذا بابك فجاءة.
فلما نظر بابك إليهما وأحدقت به العساكر قالا له: انزل! قال: ومن أنتما؟
فقال أحدهما: أنا أبو سعيد، والاخر: بوزباره. فقال: نعم، فثنى رجله ونزل، ونظر إلى ابن سنباط فشتمه وقال: بعتني ليهودي بالشيء اليسير، لو أردت لأعطيتك أضعافه، فقال أبو سعيد: فاركب إذا، فحملوه إلى الأفشين وعليه دراعة بيضاء وخف قصير. فلما وقف بين يدي الأفشين حبسه مع أخيه في بيت واحد (4). وكان وصول بابك إلى الأفشين ببرزند، وذلك لعشر خلون من شوال سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
وكان المعتصم قد أوقف على كل رأس فرسخ من سامرا إلى معسكر الأفشين فرسا مضمرا يحمل الثوب إليه وكانت الخريطة تصل إليه في أربعة أيام أو أقل من الأفشين إلى سامرا. ولقد قالوا: لما قدم الأفشين على المعتصم ببابك تلقاه هارون بن المعتصم وأهل بيته (5)، وأراد أن يشهره ويريه للناس. فقال: على أي شيء يحمل هذا وكيف يشهر؟ فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين! لا شيء أشهر من