مني! قال: فسكن عن الرشيد غضبه، ثم قال: أستغفر الله من كل ذنب وخطيئة!
اجلس، فجلس، ثم قال الرشيد: يا غلام علي بتخت من ثياب العلماء! فأتي به فخلع عليه، ثم قال: علي بمحمد بن الحسن! وأنا من وراء الستر فدخلت فرحا مسرورا، فقال الرشيد: يا محمد! قد شهد قلبي لهذا الرجل بالصدق، فاجلس معه وناظره إلى وقت خروجي إليكما، وحلفه أن لا يرخص في يمين المكره. قال: ثم وثب الرشيد فدخل إلى قصره، قال: فأقبلت على الشافعي فقلت: يا أبا عبد الله!
من كان في طاعة الله كان الله في حاجته. قال: فناظرته ساعة، ثم قلت: الساعة يخرج أمير المؤمنين وقد أمرني أن أحلفك أن لا ترخص في اليمين المكرهة، فقال:
وقد عزمت على أن تحلفني؟ فقلت: بهذا أمرني أمير المؤمنين، فقال: يا أبا عبد الله! وأمير المؤمنين لا يعلم بيميني هذه التي حلفتها لك أنا هي يمين مكره، فقلت:
صدقت. فخرج الرشيد فوثبت قائما وقام الشافعي، فقال الرشيد: يا محمد! حلفته كما أمرتك؟ قال فقلت: يا أمير المؤمنين! إنه يزعم أنه مكره على يمينه، فضحك الرشيد، ثم قال: يا شافعي! لا ترخص في يمين المكره فإنها لازمة لك ولمن حلف بها، فقال الشافعي: نعم يا أمير المؤمنين! حاجتي النظر في أمور الرعية والقسم بالسوية، فقال الرشيد: ومن يطيق ذلك يا بن إدريس؟ فقال: يطيق ذلك من تسمى باسمك واستعد إلى موضعك، قال الرشيد: ثم ماذا؟ قال: انظر لجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الرشيد: وما أصنع بهم؟ قال: تغمر الفقير وتحسن الصنيعة إلى أولاده وأولاد أصحابه، قال الرشيد: أفعل ذلك يا غلام! احمل إلى المدينة ثلاثمائة ألف درهم وفرق عليهم، وإلى أهل مكة مثل ذلك. ثم التفت إلى محمد بن الحسن فقال: هل ناظرته بشيء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! قد جرت بيني وبينه مناظرة. قال: فناظره بين يدي حتى أسمع، فأقبل عليه محمد بن الحسن فقال: أبا عبد الله! ما تقول في رجل تزوج امرأة ودخل بها، وتزوج ثانية ولم يدخل بها، وتزوج ثالثة ودخل بها، وتزوج رابعة ولم يدخل بها، ثم أصاب الثانية أم الأولى، وأصاب الرابعة عمة الثالثة؟ فقال الشافعي: أما الثانية فلا يدخل بها لقول الله عز وجل (فإن لم تكونوا دخلتم بهن) (1) وقد دخل بابنتها فحرم عليه الدخول