علي بن حمزة الكسائي قال (1): دخلت على أمير المؤمنين الرشيد بعد ثلاث عشرة سنة من خلافته، فلما قضيت حق التسليم أمرني بالجلوس فقال: يا علي! فقلت:
لبيك يا أمير المؤمنين! فقال: ألا تحب أن ترى عبد الله ومحمدا؟ فقلت: ما أشوقني إلى معاينة ذلك! قال: فأمر بعض الخدم بإحضارهما، قال: فأقبلا كأنهما كوكبا وقد غضا أبصارهما وقاربا بخطوهما حتى وقفا على باب المجلس ثم سلما على [أبيهما] (2) بالخلافة ودعوا له بأحسن دعاء وألطفه.
فأمرهما بالدنو منه، ثم أمرني أن استقرئهما بأبواب من النحو، فما سألتهما عن شيء إلا وأحسنا الجواب والخروج منه، فسر الرشيد بذلك سرورا شديدا، فقال: يا علي! كيف ترى مذهبهما وجوابهما؟ فقلت: إن أذن لي أمير المؤمنين قلت! فقال: قل ما تشاء، فأنشأت هذه الأبيات:
أرى قمري أفق وفرعي بشامة (3) * يزينها فرع (4) كريم ومحتد سليلي أمير المؤمنين وحائزي * مواريث ما أبقى الأمين محمد يجزان أعناق النفاق بسلمة * فودهما عضب وحزم مهند قال ثم قلت: يا أمير المؤمنين! هما فرعان زكي أصلهما، وطاب (5) مغرسهما، فمتع الله أمير المؤمنين بهما وآنس جميع الأمة ببقائه وبقائهما!
ثم قلت لهما: هل ترويان شيئا من الشعر؟
فقالا: نعم. فاستنشدتهما، فأنشدني محمد هذه الأبيات:
وإني لعف الفقر مشترك الغنى * وتارك شكل (6) لا يوافقه شكلي وشكلي شكل لا يقوم لمثله * من الناس إلا كل ذي سعة مثلي ولي نيقة في البذل والمجد لم يكبر * تأنقها فيما مضى (7) أحد قبلي