قال ابن إسحاق: {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم، ثم أقررتم وأنتم تشهدون} على أن هذا حق من ميثاقي عليكم، {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان} أي أهل الشرك، حتى يسفكوا دماءهم معهم، ويخرجوهم من ديارهم معهم {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم} وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم {وهو محرم عليكم} في كتابكم {إخراجهم، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}، [أي] أتفادونهم مؤمنين بذلك، وتخرجونهم كفارا بذلك {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون، أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون}. فأنبهم الله عز وجل بذلك من فعلهم، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم.
فكانوا فريقين، منهم بنو قينقاع ولفهم، حلفاء الخزرج، والنضير وقريظة ولفهم، حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان: لا يعرفون جنة ولا نارا، ولا بعثا ولا قيامة، ولا كتابا، ولا حلالا ولا حراما، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أساراهم تصديقا لما في التوراة، وأخذ به بعضهم من بعض، يفتدى بنو قينقاع من كان من أسراهم في أيدي الأوس، وتفتدي النضير وقريظة ما في أيد الخزرج منهم. ويطلون ما أصابوا من الدماء وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرة لأهل الشرك عليهم. يقول الله تعالى لهم حين أنبهم بذلك: {أفتؤمنون ببعض الكتاب