وقالت يهود - تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم - عمرو ابن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، عمرو: عمرت الحرب، والحضرمي:
حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله: وقدت الحرب. فجعل الله ذلك عليهم لا لهم.
فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم:
{يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل: قتال فيه كبير، وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله - 217 من سورة البقرة} أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم {والفتنة أكبر من القتل} أي قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين.
فلما نزل القرآن بهذا من الامر، وفرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نفديكموها حتى يقدم صاحبانا - يعنى سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان - فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم، فقدم سعد وعتبة، فأفداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا. وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة، فمات بها كافرا.