فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور، سيد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فوالله ما أنسى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشاعر؟ قال: نعم، قال: فقال له البراء بن معرور: يا نبي الله، إني خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله للاسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية منى بظهر، فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شئ، فما ترى يا رسول الله؟ قال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها. قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى معنا إلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم.
قال ابن هشام: وقال عون بن أيوب الأنصاري:
ومنا المصلى أول الناس مقبلا * على كعبة الرحمن بين المشاعر يعنى البراء بن معرور. وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب بن مالك أن أخاه عبد الله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه، قال كعب: ثم خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق. قال:
فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من ساداتنا [وشريف من أشرافنا] أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فلكمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار