خلافهم، وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فبعث مكان العاصي بن هشام بن المغيرة، وكذلك كانوا صنعوا، لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش، كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا. قال:
وكنت رجلا ضعيفا، وكنت أعمل الأقداح: أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إني جالس فيها أنحت أقداحي، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذا أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر، حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري، فبينما هو جالس إذا قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب - قال ابن هشام: واسم أبى سفيان المغيرة - قد قدم، قال:
فقال له أبو لهب: هلم إلى، فعندك لعمري الخبر، قال: فجلس [إليه] والناس قيام عليه، فقال: يا بن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم، فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا، على خيل بلق، بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئا، ولا يقوم لها شئ. قال أبو رافع:
فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة، قال: فرفع أبو لهب يده فضرب [بها] وجهي ضربة شديدة. قال: وثاورته، فاحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك على يضربني، وكنت رجلا ضعيفا، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة فلعت في رأسه شجة منكرة، وقالت: استضعفته أ، غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته.
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال: ناحت قريش على قتلاهم، ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد