قال ابن إسحاق: فكانت تسمية الأربعة عشر، الذين يؤول إليهم أمرهم:
العاقب، وهو عبد المسيح، والسيد، وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بنى بكر بن وائل، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، ويحنس، في ستين راكبا. فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، والأيهم السيد - وهم من النصرانية على دين الملك، مع اختلاف من أمرهم، يقولون: هو الله، ويقولون: هو ولد الله، ويقولون: هو ثالث ثلاثة، وكذلك قول النصرانية.
فهم يحتجون في قولهم: " هو الله " بأنه كان يحيى الموتى، ويبرئ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طائرا، وذلك كله بأمر الله تبارك وتعالى: {ولنجعله آية للناس - 21 من سورة مريم}.
ويحتجون في قولهم " إنه ولد [الله] " بأنهم يقولون: لم يكن له أب يعلم وقد تكلم في المهد، وهذا شئ لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله.
ويحتجون في قولهم: " إنه ثالث ثلاثة " بقول الله: فعلنا، وأمرنا، وخلقنا، وقضينا، فيقولون: لو كان واحدا ما قال إلا فعلت، وقضيت، وأمرت وخلقت، ولكنه هو وعيسى ومريم، ففي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن.
فلما كلمه الحبران، قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما، قالا: قد أسلمنا، قال: إنكما لم تسلما [فأسلما]، قالا: بلى، قد أسلمنا قبلك، قال:
كذبتما، يمنعكما من الاسلام دعاؤكما لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فصمت عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهما.
فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم، واختلاف أمرهم كله، صدر سورة