ورغبهم فيه، وحذرهم غير الله وعقوبته، فأبوا عليه، وكفروا بما جاءهم به، فقال لهم معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب: يا معشر يهود، اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته، فقال رافع بن حريملة، ووهب بن يهوذا: ما قلنا لكم هذا قط، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده. فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، فقد جاءكم بشير ونذير، والله على كل شئ قدير - 19 من سورة النساء}.
ثم قص عليهم خبر موسى وما لقى منهم، وانتقاضهم عليه، وما ردوا عليه، من أمر الله حتى تاهوا في الأرض أربعين سنة عقوبة.
قال ابن إسحاق: وحدثني ابن شهاب الزهري أنه سمع رجلا من مزينة، من أهل العلم، يحدث سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة حدثهم:
أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدارس، حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة من يهود قد أحصنت، فقالوا: ابعثوا بهذا الرجل وهذا المرأة إلى محمد، فسلوه كيف الحكم فيهما، وولوه الحكم عليهما، فإن عمل فيهما بعملكم من التجبية - والتجبية: الجلد بحبل من ليف مطلي بقار، ثم تسود وجوههما، ثم يحملان على حمارين، وتجعل وجوههما من قبل أدبار الحمارين - فاتبعوه، فإنما هو ملك، وصدقوه، وإن هو حكم فيهما بالرجم فإنه نبي، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه.
فأتوه، فقالوا: يا محمد، هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت، فاحكم فيهما، فقد وليناك الحكم فيهما، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدارس، فقال: يا معشر يهود، أخرجوا إلى علماءكم فأخرجوا له عبد الله بن صوريا.