استأخر عنى، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى [عنى] إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عنى، وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاده، حتى ينزل بي. فلم نزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بنى عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة نازلا بها - فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الاسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة.
قال ابن إسحاق: ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة:
عامر بن ربيعة، حليف بنى عدى بن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة ابن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب. ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير (1) بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة، حليف بن أمية بن عبد شمس، احتمل بأهله وبأخيه عبد ابن جحش، وهو أبو أحمد - وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر، وكان يطوف مكة، أعلاها وأسفلها، بغير قائد، وكان شاعرا، وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب، وكان أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم - فغلقت دار بنى جحش هجرة، فمر بها عتبة بن ربيعة، والعباس بن عبد المطلب، وأبو جهل بن هشام بن المغيرة، وهي دار أبا بن عثمان اليوم التي بالردم، وهم مصعدون إلى أعلى مكة، فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها يبابا، ليس فيها ساكن، فلما رآها كذلك تنفس الصعداء، ثم قال:
وكل دار وإن طالت سلامتها * يوما ستدركها النكباء والحوب (هامش ص 323) (1) في ب " بن كثير " بالثاء المثلثة.