قال ابن إسحاق: ففعل، فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب: أوس بن قيظي، أحد بن حارثة ابن الحارث، من الأوس، وجبار بن صخر، أحد بنى سلمة من الخزرج، فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جذعة، فغضب الفريقان جميعا وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحرة - السلاح السلاح، فخرجوا إليها. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم، فقال: يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للاسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس، فأنزل الله تعالى في شأس بن قيس وما صنع: {قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله؟ والله شهيد على ما تعملون، قل: يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا، وأنتم شهداء؟ وما الله بغافل عما تعملون - 98، 99 من سورة آل عمران}.
وأنزل الله في أوس بن قيظي وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا عما أدخل عليهم شأس من أمر الجاهلية: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله؟ ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، إلى قوله تعالى:
{وأولئك لهم عذاب عظيم - 100، 105 من سورة آل عمران}.
قال ابن إسحاق: ولما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد