فأصابت بني إسرائيل أزمة شديدة، فعجز زكريا عن حملها، فاستهموا عليها أيهم يكفلها، فخرج السهم على جريح الراهب بكفولها فكفلها. {وما كنت لديهم إذ يختصمون} أي ما كنت معهم إذ يختصمون فيها، يخبره بخفي ما كتموا منه من العلم عندهم، لتحقيق نبوته والحجة عليهم بما يأتيهم به مما أخفوا منه.
ثم قال: {إذ قالت الملائكة: يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم} أي هكذا كان أمره، لا كما تقولون فيه {وجيها في الدنيا والآخرة} أي عند الله {ومن المقربين، ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين} يخبرهم بحالاته التي يتقلب فيها في عمره، كتقلب بني آدم في أعمارهم، صغارا وكبارا، إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوته، وتعريفا للعباد بمواقع قدرته {قالت: رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟ قال: كذلك الله يخلق ما يشاء} أي يصنع ما أراد، ويخلق ما يشاء من بشر أو غير بشر {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن} مما يشاء وكيف شاء، (فيكون) كما أراد.
ثم أخبرها بما يريد به، فقال: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة} التي كانت فيهم من عهد موسى قبله (والإنجيل) كتاب آخر أحدثه الله عز وجل إليه لم يكن عندهم إلا ذكره أنه كائن من الأنبياء بعده {ورسولا إلى بني إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم} أي يحقق بها نبوتي، أنى رسول منه إليكم {أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله} الذي بعثني إليكم، وهو ربى وربكم {وأبرئ الأكمه والأبرص}.
قال ابن هشام: الأكمه: الذي يولد أعمى، قال رؤبة بن العجاج:
* هرجت فارتد ارتداد الأكمه *