الذي خلفه قريش، والقلب ببدر في العدوة الدنيا من بطن يليل إلى المدينة.
وبعث الله السماء، وكان الوادي دهسا، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبدلهم الأرض، ولم يمنعهم عن السير، وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء، حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به.
قال ابن إسحاق: فحدثت عن رجال من بنى سلمة أنهم ذكروا: أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس، حتى نأتى أدنى ماء من القوم، فنزله، ثم نغور (1) ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي.
فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فعورت (1)، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه، فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث: أن سعد بن معاذ قال: يا نبي الله [ألا] نبني لك عريشا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام، يا نبي الله، ما نحن بأشد لك حبا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير.
(هامش ص 452) (1) في ا " نعور " و " فعورت " بالعين مهملة فيهما.