موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج ٢ - الصفحة ٣٣٠
قال القمي: فألقى رسول الله على حمزة بردة كانت عليه، فكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه، وإذا مدها على رجليه بدا رأسه، فمدها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش.
وأمر رسول الله أن يجمعوا القتلى فصلى عليهم (مع حمزة) وكبر على حمزة سبعين تكبيرة. ودفنهم في مضاجعهم (1).

(1) وروى ابن إسحاق في السيرة 3: 102 بسنده عن ابن عباس قال: أمر رسول الله بحمزة فسجي ببردة، ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات، ثم اتي بالقتلى (واحدا واحدا) يوضعون إلى جانب حمزة فكان يصلي عليه وعليهم (في كل مرة) حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة 3: 102.
وروى عن الزهري عن العذري قال: إن رسول الله أشرف على القتلى يوم أحد فقال:
أنا شهيد على هؤلاء أنه ما من جريح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمي جرحه، اللون لون دم والريح ريح مسك.
ورواه كذلك عن عمه موسى بن يسار عن أبي هريرة 3: 104 وكأنه كان في مقام الاكتفاء بدمائهم عن غسلهم، فقد روى الخبر الواقدي قال: ولم يغسل رسول الله الشهداء يومئذ (مما يوهم غسلهم قبل ذلك) وقال: لفوهم بدمائهم وجراحهم فإنه ليس أحد يجرح في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة لون جرحه لون الدم وريحه ريح المسك. ثم قال: ضعوهم فأنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة.
قال: وكان حمزة أول من جئ به إلى النبي فصلى عليه رسول الله... ثم جمع إليه الشهداء فكان كلما اتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه وعلى الشهيد حتى صلى عليه سبعين مرة، لأن الشهداء سبعون. ويقال: كان يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم وترفع التسعة ويترك حمزة مكانه ويؤتى بتسعة آخرين فيوضعون إلى جنب حمزة فيصلي عليه وعليهم، فعل ذلك سبع مرات.
قال: وكان ابن عباس وجابر بن عبد الله وطلحة بن عبيد الله يقولون: صلى رسول الله على قتلى أحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء. فقال أبو بكر: ألسنا إخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا! قال: بلى، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا، ولا أدري ما تحدثون بعدي! فبكى أبو بكر وقال: إنا لكائنون بعدك! 1: 309، 310.
ونقل ابن إسحاق - أيضا - عن آل عبد الله بن جحش، وهو ابن أميمة بنت عبد المطلب أخت حمزة، فحمزة خاله، قالوا: إن رسول الله دفنه مع حمزة في قبره. وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر الواحد.
ثم روى عن بني سلمة قالوا: إن رسول الله حين أمر بدفن القتلى قال: انظروا إلى عمرو ابن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام (أبي جابر بن عبد الله) فاجعلوهما في قبر واحد فإنهما كانا متصافيين في الدنيا 3: 103 و 104.
وقال الواقدي في عبد الله بن جحش: دفن هو وحمزة في قبر واحد 1: 291.
وقال: قال جابر (بن عبد الله الأنصاري): كان أبي (عبد الله بن عمرو بن حرام) أول قتيل قتل يوم أحد من المسلمين، قتله سفيان بن عبد شمس السلمي فصلى عليه رسول الله قبل الهزيمة 1: 266.
وقال أبو طلحة: كان عمرو بن الجموح في الرعيل الأول حين ثاب المسلمون (بعد الهزيمة) ولكأني انظر إلى ضلعه (عوج في رجله خلقة) وهو يقول: أنا والله مشتاق إلى الجنة، وابنه يعدو في أثره، فقاتلا حتى قتلا جميعا 1: 265.
فوجد (هو وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر) وقد مثل بهما كل المثل قد قطعت أعضاؤهما حتى لا يعرف أبدانهما، فقال النبي: ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد، وكان عبد الله بن عمرو رجلا أحمر أصلع، وكان عمرو بن الجموح طويلا.
فلما أراد معاوية أن يجري عين كظامة (قناة من أحد إلى المدينة) نادى مناديه: من كان له قتيل بأحد فليشهد. فخرج الناس إلى قتلاهم فوجدوهم طرايا يتثنون، وأصابت المسحاة رجلا منهم فانبعث دما! وكلما حفروا التراب فاح عليهم المسك 1: 268 وحفر عنهما وعليهما نمرتان (شملتان). وكانت يد عبد الله على جرح وجهه فأميطت يده فانبعث الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم، وما تغير من حاله قليل ولا كثير، كأنه نائم وبين ذلك وبين دفنه ست وأربعون سنة 1: 267 وكانت القناة تمر على قبرهما فحول إلى مكان آخر 1: 268.
قال الواقدي: قال رسول الله للمسلمين يومئذ: احفروا وأوسعوا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر وقدموا أكثرهم قرآنا. فكان المسلمون يقدمون في القبر أكثرهم قرآنا.
وكان ممن يعرف أنه دفن في قبر واحد: خارجة بن زيد وسعد بن الربيع، والنعمان بن مالك وعبدة بن الحسحاس في قبر واحد 1: 310.
وقال: وقد كان رسول الله يزورهم في كل حول، فإذا صار بفم الشعب رفع صوته، يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار!
ومر رسول الله على مصعب بن عمير فوقف عليه وقرأ: * (... رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) * (الأحزاب: 23) ثم قال لأصحابه: أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم وسلموا عليهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه.
وكان يقول: ليت أني غودرت مع أصحاب الجبل (شهداء أحد).
وكانت أم سلمة زوج النبي تذهب فتسلم عليهم في كل شهر فتظل يومها عندهم، فجاءت يوما ومعها غلامها نبهان فلم يسلم، فقالت له: يا لكع (لئيم) ألا تسلم عليهم؟!
والله لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا إلى يوم القيامة!
وكانت فاطمة بنت رسول الله تأتيهم بين اليومين والثلاثة فتبكي عندهم وتدعو.
وعد من الزائرين: سلمة بن سلامة، ومحمد بن مسلمة وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة وأبا بكر وعمر وعثمان وسعد بن أبي وقاص ومعاوية 1: 313 و 314.
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 333 334 336 337 338 ... » »»
الفهرست